10 - 09 - 2025

أمة في خطر

أمة في خطر

لا نذهب بعيدا إن قلنا: إن مقصود الأمة، ينسحب على ما تبقى من العالم العربي، أو الإسلامي، وكذا كل مجتمع أو دولة.

ما يحدث الآن في المنطقة أشبه بفترة الإمتحان لطلاب أضاعوا أيامهم ووقتهم؛ وانصرفوا لاهين فرحين بلذة الجهل، والإنشغال بالتوافه؛ حتى إذا ما حان الحين؛ وجاءت لحظة الحقيقة؛ اكتشفوا زيف ووهم ما كانوا فيه؛ وما فيه أهدروا أموال ذويهم وجهدهم.

تواجه المنطقة الآن، لحظة الحقيقة المرة، في ظل توحش كيان اجرامي، يمارس ارهاب الدولة، والبلطجة على الجميع؛ يقابله حالة ضعف وتسطيح أنظمة، تستمد شرعيتها من رضا البيت الأبيض، وقادة تل أبيب عنها؛ وتسارع بعض تلك الأنظمة العربية بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون لساكني البيت الأبيض إسما فقط، والأسود عملا.

حالة التشظي والانقسام العربي، لن تتوقف إلا بإرادة القادة؛ تلك الإرادة تتمثل في خطوات عملية مؤلمة؛ كعملية جراحية، تسعى لاستئصال حالة الوهن، والاستسلام التام لإدارة وإرادة صناع القرار في العاصمتين، تل أبيب وواشنطن.

قواعد وخناجر 

أولى تلك الخطوات؛ إنهاء التواجد الأجنبي الغربي، المتمثل في القواعد العسكرية الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية، في المنطقة. 

فهذه القواعد، كانت وما زالت بؤرا احتلالية، وخنجرا في خاصرة المنطقة، والعالم العربي تحديدا؛ حتى لو بدا أنها لحماية بلدان ضعيفة، أو أنظمة بلا قواعد شعبية.

كانت وما زالت تلك القواعد منصات انطلاق واطلاق ضد بلدان عربية ودول بالمنطقة تعادي الكيان.

 ولقد رأينا كيف أن دفع مئات المليارات للكفيل الأجنبي من قبل أنظمة عربية، أطمع الكفيل في ثروات ومليارات أخرى، معلنا على الملأ؛ أنه لولا حمايته لتلك العروش فلن يبقى حاكم في منصبه شهرا.

الديمرقراطية وتغييب الهوية

ثاني المصائب التي حلت بالعالم العربي: غياب الديمقراطية وتغييب الهوية، وشيطنة القومية، فلا نحن عرب متمسكون بالقومية العربية، ولا نحن مسلمون قابضون على جمر الإسلام، بما يخيف العدو، ويحملنا على هزيمته، أو الإيمان بذلك؛ بل نجح العدو، عبر استخدامه لطوائف، وجماعات تنتمي إلينا، في شيطنة كل ما هو إسلامي.

وكذلك غابت الديمقراطية عن تربة أوطاننا؛ فلم تنبت بها سوى تجارب ضحلة هشة، وديكتاتوريات بلا رؤية، أجدبت كل شيء، وجعلت المناخ طاردا للكفاءات، جاذبا للزواحف والحشرات.

ثالثة الأثافي كما يقال؛ التعليم والإعلام في عالمنا العربي؛ بإستثناء قناة الجزيرة في الإعلام، لايوجد لدينا إعلام يشكل الوعي والوجدان، والإيمان بقضية أو قومية؛ وكذلك التعليم بعد تسطيحه؛ لا يخرج لنا سوى كائنات ممسوخة في الشوارع، هائمة على وجوهها، لا تفيد مجتمعا ولا أسرة؛ يتخرج الطالب من مراحله التعليمية المتعددة، ولم يكتسب شيئا يفيده، أو يفيد وطنه.

حتى الجامعات لدينا، صارت معامل تفريخ بالأجر، والمصاريف الباهظة؛ دون تعليم حقيقي يفيد، أو يساهم في تنمية.

لعل تردي التعليم والإعلام، يكون الباعث على بداية حقيقية لمن يريد صناعة المستقبل؛ وعلى صانع القرار في عالمنا العربي إدراك خطورة المرحلة؛ والبدء في اتخاذ خطوات عاجلة، لمعالجة كارثة الواقع؛ الواقع من الحاضر والمستقبل.

لتكن البداية من التعليم، عبر دعوة خبراء التعليم والتكنولوجيا؛ لوضع آلية حقيقية لانتشال التعليم مما هو فيه؛ وإسناد الأمر لكفاءات تؤمن بأوطانها، والقدرة على الخروج من وحل المرحلة.

وليكن الاعلام في يد مهرة يجيدون التخطيط ويدركون أهمية وخطورة الإعلام على تشكيل الوعي والنشء.

الديون ..أغلال واستغلال 

كما لايمكن إغفال تكبيل الأوطان بالديون؛ تلك المصيبة التي كانت من أسباب انهيار الخلافة العثمانية؛ حينما اقترضت الآستانة عاصمة الخلافة ما يقارب 200 مليون جنيه استرليني ثم عجزت عن السداد، وأعلنت إفلاسها؛ ليبدأ التدخل الأوروبي في شأن الدولة العثمانية؛ وانتهى بها المطاف إلى التقسيم ثم احتلال البلاد.

أغرقت الديون مصر في عهد الخديوي إسماعيل حتى عجزت الحكومة عن السداد؛ واضطر الخديوي إلى قبول ممثلين لحكومتي فرنسا، وبريطانيا ليشرفا على المالية المصرية، والتدخل في شؤون البلاد.

لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد؛ بل أخذت الأمور في التدهور؛ ما اضطر السلطان العثماني إلى خلع إسماعيل تحت ضغط فرنسا وبريطانيا؛ وتولى الخديوي توفيق الحكم ، فعمل على اضعاف الجيش؛ ورفض الاصلاحات التي نادى بها أحمد عرابي، بل إن توفيق رحب بالاحتلال الانجليزي للبلاد، نكاية في عرابي.

بالعودة لواقع عالمنا العربي؛ فإنه يمتلك الكثير من أوراق الضغط والقوة لكن تنقصه الإرادة، إرادة تفعيل القوة؛ التي بها وحدها تنهض الأمم.

غير أن الغريب المريب هو خشية بعض حكام العالم العربي من نهضة شعوبهم؛ ظنا منهم أن ذلك خطر عليهم.

--------------------------

بقلم : معوض جودة

مقالات اخرى للكاتب

أمة في خطر