نجحت العملية ..ومات الجبان !
كنت أفضل النأي بنفسي عن الدخول في هذا النوع من الجدل ، خاصة ذلك الذي يعاير الشرفاء بشرفهم ، ويسخر من الشعوب التي لم تجد بداً من حمل السلاح كي تحرر نفسها من ربقة الإحتلال الإستيطاني الوحشي ، وبعد أن ثبت عجز وفشل كل الوسائل السلمية .
وقد آلمني بشكل خاص ، الإتهامات الموجهة إلي السنوار ورفاقه ، بأنهم ضحوا بشعب غزة ، وتسببوا فيما يحدث له الآن من مجازر ، وقيل أن السنوار كان يظن أن المسألة تشبه عملية الجندي جلعاد شاليط ، وأن ذلك كان خطأ إستراتيجي رهيب.
السنوار عاش في السجون الإسرائيلية ،وانكب علي دراسة لغتهم وخططهم ، ولا أظن أنه لم يفهم نتنياهو ..
لو كانت المسألة تكرار صفقة جلعاد شاليط لكان من الممكن الإكتفاء بإختطاف جندي أو ضابط والتفاوض حوله ...
لكنه - السنوار- كان يعلم أن رد الفعل سيكون علي هذا النحو الوحشي ، فخطط مع رفاقه ونفذوا إغارة عبقرية كي تهز إسرائيل والواقع المحيط كله ، في تجربة تشبه موجة اختطاف الطائرات التي نبهت العالم إلي وجود القضية الفلسطينية ، وكذلك موجة الهجمات الإنتحارية ...انظروا إلي المتغيرات الكبيرة في الرأي العام الدولي ، فلسطين تكسب معركة الصورة ، وهو انتصار إستراتيجي بلا جدال ..
ومع تسليمنا بالثمن الفادح الذي يدفعه سكان غزة ، ولكن يجب أن نتذكر كيف كان الحال قبل السابع من أكتوبر ، الفارق ليس كبيرا ، كان أهل غزة محاصرين لسنوات طويلة ، يموتون ببطء دون أن يشعر بهم أحد ، الآن يموتون وهم يصبغون وجه الصهاينة بعار وحشيتهم التي ستظل عالقة بهم حتي إزالة النظام الصهيوني مثلما تمت إزالة نظام الأبارتايد في جنوبإفريقيا.
لو تأثر الجزائريون من سخرية الوقوعيين ، لكانت الجزائر الآن جزء من الدولة الفرنسية ..ولو أنصتنا في خنادقنا علي قناة السويس لمزامير المحبطين ، لكنا الآن نقاتل الصهاينة من الضفة الغربية للنيل ..ولو ركع الإنجليز بعد ضربة دنكرك التي جعلتهم يفرون بلا نظام ، لأستمرت النازية تحكم أحقاباً فيما بعد ..ولو تعلل ستالين بحكمة القاعدين ، لما أمر المدافعين عن ستالينجراد بالقتال حتي آخر جندي وآخر طلقة ...
وهذا هو ما فهمه ضابط صاعقة مصري شاب علي حواف جبل عتاقة وعند مدخل السويس يوم الرابع والعشرين من أكتوبر ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين ، حين هتف فيمن تبقي من رجاله : " سنموت هنا .. ولا يمرون "..
أعتذر للإطالة ، ولكنني أردت أن أؤكد لمن قال ساخراً :" أن العملية نجحت ولكن المريض مات " ، أن العملية تنجح دائماً ، إذا آمن من يحملون قضيتها بحتمية النصر في النهاية ...وقد يموت مريض اختبأ خلف خوفه ، أما الأصحاء الأقوياء بإيمانهم ، فأنهم حتي إن ماتوا " أحياء عند ربهم يرزقون " وفي تاريخ شعوبهم هم في سجلات الخلود .
----------------