الفلاح المصري.. العمود المكسور في معركة الوطن
هل يعقل أن يظل الفلاح المصري، الذي يُطعم الأرض ويزرع الحياة، آخر من يجني ثمارها؟
هل من المقبول في دولة بحجم مصر أن يكون من يروي الأرض بعرقه، هو الأكثر فقرًا، والأقل حظًا، والأبعد عن منظومة الحماية؟
سؤال لا يملك أحد ترف تجاهله بعد الآن.
في عيد الفلاح، نسمع الكلمات الطيبة، وتُقال الشعارات المنمقة، لكن الواقع يفضح كل الزيف. الواقع يقول إن الفلاح المصري يعيش في معركة شرسة:
مع الدولة التي لا تراه،
ومع السوق الذي ينهشه،
ومع المناخ الذي يتغير،
ومع ديون تخنقه،
ومع جيل جديد لا يرى في الزراعة سوى طريق للفقر.
أولًا: الأرض... تتحول إلى كابوس قانوني
الأرض كانت عنوان الكرامة والاستقرار، فصارت بابًا للقلق والخوف.
زحف عمراني يلتهم الخُضر،
وفساد إداري يُعقّد إجراءات الحيازة،
وملايين لا يملكون عقدًا يحميهم من الطرد.
أراضي الإصلاح الزراعي أصبحت مصيدة قانونية، لا أداة تمكين.
وهكذا، يُنتزع الأمان من قلب الفلاح، ويُترك عاريًا أمام تقلبات لا ترحم.
ثانيًا: المدخلات الزراعية.. الفلاح في قبضة التجار
الفلاح لا يتحكم في شيء:
يشتري التقاوي المغشوشة،
والأسمدة بأسعار فاحشة،
والمبيدات المجهولة،
ثم يُسأل بعد كل ذلك: "لماذا قلّ الإنتاج؟"
الدولة انسحبت من السوق،
وتركت الفلاح فريسة لمحتكرين لا يرحمون،
فهل هذه دولة تحترم زراعتها؟
ثالثًا: منظومة التسويق.. كيف يُنتَج القمح ويُهان منتجه؟
كل عام، يعيش الفلاح لحظة مريرة عند بيع المحصول.
لا تسعير عادل،
ولا حماية من جشع التجار،
ولا تدخل حكومي جاد.
يبيع بثمن بخس... ليأكل من السوق بثمن فاحش.
وإذا طالب بحقوقه، قيل له: "تحمّل.. الوطن أولى".
ولكن من يزرع الوطن؟!
رابعًا: لا تأمين صحي.. لا معاش.. لا كرامة
في الحقول، لا يُصاب الفلاح بالإرهاق فقط، بل بالأمراض.
ومتى ذهب للمستشفى؟ وجد الزحام، والإهمال، والدواء الناقص.
شيخوخة الفلاح ليست راحة، بل ذُل بلا معاش ولا تأمين.
يموت البعض وهم لا يملكون ثمن العلاج، أو كُرسي في عيادة.
هل هذا جزاء من أطعمنا؟
من جعل التراب ينبت قمحًا وخيرًا؟
ألهذا الحد رخيص هو في أعين الدولة؟
خامسًا: التغير المناخي.. معركة غير متكافئة
الأرض لم تعد كما كانت، والمواسم تغيرت، والآفات تطورت.
لكن من يُرشد الفلاح؟ من يُعلمه؟ من يُعوضه؟
لا بحوث تطبيقية، ولا دعم تقني، ولا خطة واضحة.
يُلقى به في مواجهة الطبيعة، عاريًا من كل دعم.
ثم نتحدث عن الأمن الغذائي!
سادسًا: الفلاح غارق في الديون... ومهدد بالسجن
يبدأ الموسم بدَين، ويختمه بخسارة.
يقترض ليزرع، ويقترض ليحصد، ويقترض ليعيش.
وحين تتعثر الأمور، يجد نفسه أمام القاضي... لا المسؤول.
البنوك تحاسب كأنها تتعامل مع تاجر في بورصة،
والفلاح يُعامَل كمُدان، لا كضحية لنظام فاشل.
سابعًا: الزراعة بلا ورثة.. مستقبل بلا زُرّاع
من يزرع بعد هذا الجيل؟
الأبناء يفرّون من الحقول، لأنهم لا يرون فيها كرامة ولا مستقبل.
المدارس الزراعية تُهمل، والمناهج عفا عليها الزمن، ولا أحد يهتم بربط الشباب بالأرض.
إنها ليست مشكلة فلاح فقط، بل كارثة قادمة للأمن القومي الغذائي.
الرسالة: من لا يحمي فلاحه... لا يحمي وطنه
في المجلس القومي للعمال والفلاحين – تحت التأسيس – نرفع صوتنا عاليًا:
كفى تجاهلًا.
كفى تسويفًا.
كفى احتفالًا بالورق، وفشلًا في الواقع.
مطالبنا ليست رفاهية، بل بقاء:
إصدار قانون شامل للتأمين الصحي والاجتماعي للفلاح.
خريطة وطنية للإصلاح الزراعي تتعامل بواقعية مع مشاكل الأرض.
تسعير إجباري وعادل للمحاصيل الزراعية.
دعم مباشر لا مشروط للفلاح في مستلزمات الإنتاج.
إنشاء منظومة حكومية لتسويق المحاصيل تحمي الفلاح من السماسرة.
مواجهة آثار التغير المناخي بخطة علمية وميدانية.
إدماج الشباب في الزراعة من خلال التعليم والتدريب والدعم.
الخاتمة: الفلاح ليس عبئًا... بل هو ركيزة الدولة التي تُهمل عمدًا
الفلاح المصري ليس مشكلة، بل هو الحل إذا توفرت الإرادة السياسية.
ليس عبئًا، بل ثروة قومية لو أُدرِكت قيمتها.
ليس مواطنًا من الدرجة الثانية، بل هو الصف الأول في معركة الأمن الغذائي والسيادة الوطنية.
عيد الفلاح لا ينبغي أن يكون يوم "خطاب"، بل يوم حساب.
ومن لم ينصف من يزرع القمح... فلا حق له في أن يرفع شعارات التنمية.
---------------