07 - 09 - 2025

إلى السيد الرئيس

إلى السيد الرئيس

إلى السيد الرئيس

على رأس المائدة المستديرة؛ جلس الكاتب والمفكر الكبير فهمي هويدي، مفتتحا حديثه بصدمة، كان وقعها على بعض الجالسين كطوبة في الرأس، حين قال إنه يعلم أن الرئيس السيسي محافظ على صلاته ويؤدي الفجر غالبا في وقته.

علت همهمات في القاعة، كنا في ندوة بمركز الجزيرة للدراسات، يديرها الأستاذ الكبير شحاته عوض، ربما عام 2015 أو 2016 وكثير من الحاضرين الغاضبين ينتمون للفصيل الذي كان في سدة الحكم.

صمت الأستاذ فهمي لثوان حتى خفت ضجيج من قطع حديثه؛ ثم رد قائلا: "إنتوا عاوزين الحق، ولا نتكلم في أي كلام؟ الحقيقة السيسي شخص متدين وملتزم؛ ولكن علينا أن لا نقف عند تلك النقطة و"نمسك في خناق بعض"؛ ثم جرى الحوار في مناحي شتى.

أذكر تلك الواقعة التي شهد بها الأستاذ الكبير؛ لأذكر سيادة الرئيس أن في السجون آلاف المحبوسين احتياطيا منذ سنوات؛ توقفت أو تجمدت حياتهم وحياة أسرهم على أقل تقدير.

وفي معرض حديثي إلى سيادة الرئيس أذكره بما يحبه؛ فقد ذكر القرآن لنا أعظم قصص العفو في أحسن القصص فقد عفا سيدنا يوسف عليه السلام عن اخوته الذين خططوا لقتله بل إنه رغم سجنه لما رأى مصر في أزمة جفاف ومجاعة طلب استوزار نفسه لينقذ البلاد وقال لعزيز مصر اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ولم يتشف في البلد التي حبسته رغم نبوته سامح وعفا

وكذلك النبي قد تسيد قومه بالعفو عنهم بعد فتح مكة وقال للجميع من موقف قوة وسيادة: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فأجابه قومه من موقف ضعف وهزيمة وصغار قائلين له متوسلين متذللين أخ كريم وابن أخ كريم فأجابهم بعفوه ونبله لا تسريب عليكم اليوم يغفر الله لكم اذهبوا فأنتم الطلاقاء.

ولقد جاء رجل إلى النبي صلي اللله عليه وسلم، يخاطبه بجلافة، قائلا له: إعطني يا محمد، فليس المال مالك، ولا مال أبيك.. فهم عمر ابن الخطاب بقتله؛ فقال له النبي: مهلا ياعمر .. هلا أمرته بحسن الطلب؛ وأمرتنا بحسن الأداء.

ولقد هتف رجل من عامة الشعب في ابن الخطاب الشديد القوي الأمين، بعدما صار خليفة للمسلمين، قائلا له: اتق الله يا عمر.,, فزجر بعض رعية السوء الرجل.. فقال عمر لمن حوله: دعوه، فلا خير فيكم إن لم تقولوها؛ ولا خير فينا إن لم نسمعها. ولعل بهذا اللين للرعية والشدة على الأعداء تسيدت الأمة الدنيا.

ولقد رأى عمر ابن الخطاب ذات يوم وهو يوزع الغنائم قاتل أخيه زيد، فقال له: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم! فقال الأعرابي القاتل: أفتظلمني حقي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: لا.. فرد الرجل؛ لا يعنيني إن أحببتني أو كرهتني؛ إنما يبكي على الحب النساء.

وفي العودة للحديث حول المحبوسين احتياطيا؛ فإن اطلاق سراح من هم دون العشرين؛ وفوق الستين؛ والنساء جميعهن سيدات وفتيات؛ والعائل الوحيد لأسرته؛ لن يكون إلا في صالح السلطة والقائمين عليها.

ولا نذهب بعيدا إن قلنا إن الذين جلسوا في السجون، أو أماكن الاحتجاز أياما، أو حتى مجرد ساعات، وليس بالأعوام، ليس لديهم أي نية للعودة للزنازين، بعدما عرف كثير منهم أنه تم التغرير به.

بعض الروايات التي ترشح، أو تتردد حول هذا الموضوع، تقول إن السيد الرئيس يرغب في انهاء ملف المحبوسين احتياطيا؛ لكن هناك تخوف لدي بعض الجهات من ذلك الأمر خشية حدوث تظاهرات، أو انفلات في الوضع مرة أخرى؛ لكن هذا الطرح يمكن الرد عليه، بتعهد كل شخص قبل خروجه بما يراه القائمون على الأمر صوابا؛ سواء بالتعهد، والاقرار، من قبل المفرج عنهم بعدم المشاركة في أي تظاهرات، أو غيرها.

ومن التجارب السابقة؛ فمن سيخرج سيبقى سنين عددا يرمم ما ضاع من عمره؛ وما حدث لأسرته؛ وسينصرف المفرج عنهم لشئونهم الخاصة؛ ومحاولة تعويض ذوييهم بعض ما فات.

ندرك أن الوطن يمر بتحديات جسام؛ ومخاطر محدقة من الأعداء في الخارج؛ لكن تخفيف الاحتقان الداخلى وحلحة الأزمات لن يكون إلا جبرا لخواطر وإسعاد لآلاف الأسر ورسالة للراغبين في الاستثمار أن الوضع أفضل.

قد يقول قائل، إن تلك الرسالة القاء للنفس في التهكلة، وحديث في المحرمات، وسير وسط حقول شوك؛ وقد يكون القائل مصيبا؛ لكن الله يشهد ما كان ذلك إلا نصحا؛ ودعما لاستقرار ملك على العدل؛ وتخفيف لمظالم قد تكون وقعت في وقت كانت الأوضاع الداخلية مضطربة والبلد تواجه انقساما.

لقد دعا الله نبيه إلى العفو عمن خاض في عرضه، واتهم السيدة عائشة بالزنا، وأمر القرآن أبا بكر الصديق، والد عائشة، بإرجاع النفقة والعطايا لمن خاض مع الخائضين في عرض ابنته؛ فقال الله قبل تبرئة أم المؤمنين: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

ولقد حبب الله إلينا العفو وحث عليه وكافأ من قام به عظيم الأجر قائلا: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" ومن كان أجره على الله فقد ربح بيعه.

نسأل الله السداد في صالح العمل للسيد الرئيس ولمن حوله.

------------------------

بقلم: معوض جودة

مقالات اخرى للكاتب

إلى السيد الرئيس