13 - 09 - 2025

المسرح في قلب قضايا العالم: التنمية المستدامة وتجارب معاصرة على مائدة الحوار في اليوم الثالث من "التجريبي"

المسرح في قلب قضايا العالم: التنمية المستدامة وتجارب معاصرة على مائدة الحوار في اليوم الثالث من

 شهد اليوم الثالث من فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، برئاسة د. سامح مهران، زخماً فكريًا وثقافيًا لافتًا من خلال جلستين حواريتين تنوعتا بين البحث في علاقة المسرح بالتنمية المستدامة ومواجهة أزمات المناخ، واستعراض تجارب مسرحية معاصرة تعكس التحولات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية في العالم.

المسرح والتنمية المستدامة.. الفن في مواجهة أزمات الكوكب

د. دينا أمين: المسرح مسؤولية مضاعفة تجاه الإنسان والبيئة

افتتحت د. دينا أمين الجلسة الأولى مؤكدة أن المسرح لم يعد مجرد مساحة للتعبير الفني، بل أصبح أمام مسؤولية كبرى في التصدي للتحديات البيئية والاجتماعية التي تهدد المستقبل. ورأت أن النقاش يفتح الباب أمام حوار معمّق حول الدور الذي يمكن أن يلعبه المسرح في دعم أهداف التنمية المستدامة عالميًا.

هاندان سالتا: المسرح المستقل عند مفترق طرق

طرحت الباحثة والناقدة التركية هاندان سالتا إشكالية العلاقة بين المحلي والعالمي في المسرح المستقل، مؤكدة أن السياسات الاقتصادية العالمية أثقلت كاهل الفرق الصغيرة. وسألت: هل يجب تبسيط رسائلنا كي يفهمها الجمهور العالمي، أم نتحدث بلغتنا المحلية بعمق إنساني قادر على خلق الفهم المشترك؟. سالتا عرضت تجارب من إسطنبول أثبتت نجاح العروض المحلية في لفت الجمهور الداخلي، لكنها لم تحظَ بنفس الصدى خارجيًا.

هايدي وايلي: المسرح الأوروبي نحو "صفر كربون"

في كلمة مصوّرة، أكدت هايدي وايلي، المديرة التنفيذية لـ اتفاقية المسرح الأوروبي (ETC)، أن أوروبا وضعت هدفًا طموحًا يتمثل في وصول المسارح إلى الحياد المناخي بحلول 2030. وأشارت إلى مبادرات مثل ETC Theatre Green Book التي تساعد المؤسسات المسرحية على تحويل إنتاجاتها وبناها التحتية إلى نموذج مستدام، مؤكدة أن الفن الأوروبي يسير بخطى واثقة نحو إعادة تعريف العلاقة بين المسرح والبيئة.

جيليانا كامبانا: المسرح البيئي منصة للتغيير

من جانبها، شددت الباحثة الأمريكية جيليانا كامبانا على أن المسرح البيئي (Eco-Theatre) يتجاوز الديكور الطبيعي ليضع القضايا البيئية في قلب التجربة المسرحية. وقدمت أمثلة من مشاريع عالمية مثل Climate Change Theatre Action وتجارب مصرية معاصرة تناولت التصحر وتلوث النيل. ورأت أن المسرح قادر على جعل الأزمة البيئية ملموسة، محوّلًا الخشبة إلى مساحة تفكير وفعل جماعي لمواجهة تحديات المناخ.

تجارب مسرحية معاصرة.. أسئلة الهوية والتكنولوجيا والواقع

ميدينيتسا: المسرح الحيّ لا يُستبدل

في الجلسة الثانية التي أدارتها د. أسماء يحيى الطاهر عبدالله، تحدث الناقد الصربي إيفين ميدينيتسا عن دور مهرجان بلغراد الدولي للمسرح (BITEF) بوصفه منصة للأسئلة الجريئة منذ تأسيسه عام 1967. وأوضح أن المهرجان لا يكتفي بالعروض، بل يثير نقاشات فلسفية حول ماهية المسرح. واستشهد بجدل الباحثة الألمانية إريكا فيشر ليشته التي أكدت أن العروض القائمة على الروبوتات لا يمكن أن تحل محل حضور الممثل الحي.

غريغوريسكو: الدراما الرومانية مرآة التحولات الكبرى

أما الباحثة الرومانية أونا كريستيا غريغوريسكو، فأكدت أن الدراما الرومانية الجديدة تجسد التغيرات الاجتماعية والسياسية في شرق أوروبا بعد سقوط الشيوعية. وأشارت إلى كتاب مثل ألكساندرا فيلسيغي وميهايلا ميخايلوف الذين طرحوا عبر نصوصهم قضايا الهوية والحرية، لافتة إلى أن هذا المسرح يدمج بين الخصوصية المحلية والأسئلة الإنسانية الكبرى.

باتساليديس: المسرح في عصر "الوسائطية المفرطة"

واختتم الباحث اليوناني سافاس باتساليديس بمداخلة حول التكنولوجيا والمسرح، موضحًا أن الوسائط الرقمية لم تعد مجرد دعم تقني، بل أصبحت جزءًا من إنتاج المعنى المسرحي. واعتبر أن المسرح المعاصر لم يعد يوثّق الواقع بل يفككه ويعيد تركيبه، كاشفًا هشاشته في زمن تتداخل فيه الحقيقة مع المحاكاة الرقمية.

"التجريبي": مختبر عالمي للأسئلة الكبرى

عكست جلسات اليوم الثالث أن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي لا يقتصر على تقديم عروض فنية من مختلف أنحاء العالم، بل يفتح مساحات للنقاش الفكري والفلسفي حول علاقة المسرح بالإنسان والبيئة والتكنولوجيا. وبينما شددت أوراق المشاركين على أن المسرح لا يزال أداة حيّة للتغيير والتأمل، برزت تساؤلات جوهرية:

  • كيف يحافظ المسرح المستقل على هويته في عصر العولمة؟
  • هل يمكن للفن أن يساهم فعليًا في مواجهة أزمة المناخ؟
  • وما مصير "الحضور الحي" في زمن الثورة الرقمية؟

أسئلة مفتوحة تركت الحضور في مواجهة جوهر دور المسرح: أن يكون مرآة للواقع، وفي الوقت نفسه قوة قادرة على تغييره.