05 - 09 - 2025

اليوم الأول للقاهرة للمسرح التجريبي: الذكاء الاصطناعي والفلسفة يشعلان الحوار حول مستقبل المسرح العربي

اليوم الأول للقاهرة للمسرح التجريبي: الذكاء الاصطناعي والفلسفة يشعلان الحوار حول مستقبل المسرح العربي

انطلقت أمس فعاليات ندوات الدورة الثانية والثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي برئاسة الدكتور سامح مهران، بعد انطلاقه في حفل كبير وسط حضور نخبة من الباحثين والمسرحيين العرب والدوليين، في أجواء احتفالية أكدت على مكانة المهرجان كأحد أبرز المنصات المسرحية التجريبية في المنطقة والعالم.

المسرح والذكاء الاصطناعي .. الجلسة الأولى

شهد اليوم الأول من الندوات انعقاد أولى جلسات محور "المسرح وما بعد العولمة"، والتي جاءت تحت عنوان: "المسرح والذكاء الاصطناعي". أدار الجلسة الدكتور هشام زين الدين (لبنان)، وشارك فيها كل من: الدكتور عبد الكريم عبود (العراق)، الدكتورة منتهى طارق (العراق)، الدكتور سليمان محمد آرتي (الكويت)، والباحثة جهاد الديناري (مصر).

في مستهل الجلسة، شدد زين الدين على التباين الحاد في المواقف تجاه الذكاء الاصطناعي؛ فالبعض يعتبره فرصة لتطوير المسرح وإعادة صياغة أدواته، بينما يراه آخرون تهديدًا مباشرًا لجوهر الفن المسرحي القائم على الإبداع الإنساني.

إسهامات المشاركين

  • د. منتهى طارق حسين أوضحت في ورقتها البحثية أن الذكاء الاصطناعي قادر على صياغة نصوص مسرحية متماسكة، لكنه يظل عاجزًا عن تجسيد العمق الإنساني، مؤكدة أن الريادة ستبقى دائمًا للعقل البشري وروحه الإبداعية.
  • د. سليمان محمد آرتي من الكويت، تناول دور الذكاء الاصطناعي في خلق فضاءات رقمية تكسر الأعراف المسرحية التقليدية، مستشهدًا بتجارب عالمية مثل عرض “Inferno” للمخرج الفرنسي فيليب ديمير، حيث دمج الأداء البشري مع الهياكل الآلية.
  • د. عبد الكريم عبود أشار في ورقته إلى أن التناسج بين الجسد المادي والتجسيد الافتراضي يفتح أفقًا جديدًا للممارسات المسرحية، عبر توظيف تقنيات الواقع الافتراضي والتوأم الرقمي، بما يعيد صياغة العلاقة بين الممثل والعالم الرقمي.
  • أما الباحثة جهاد الديناري، فقد ركزت على أثر الذكاء الاصطناعي في مسرح الطفل، محذرة من خطورته على التلقي الحي وعلى التجربة الإنسانية المباشرة، مؤكدة أن هيمنة الآلة تهدد الصناعة  المسرحية التقليدية وتضعف التفاعل الحسي الضروري للأطفال.

الجلسة شهدت نقاشات ثرية، تخللتها مداخلة لرئيس المهرجان د. سامح مهران، الذي أكد أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى بلادة العقل البشري وإضعاف قدرته على الابتكار.

المسرح والمابعديات.. الجلسة الثانية

تواصلت فعاليات اليوم الأول بجلسة ثانية ضمن محور "المسرح وما بعد العولمة"، حملت عنوان: "المسرح والمابعديات"، أدارها الناقد خالد الرويعي (البحرين)، بمشاركة السفير علي شيبو (فرنسا/العراق)، والدكتور أحمد مجدي (مصر).

في مستهل الجلسة، أكد الرويعي أن المسرح لا يمكن أن يزدهر بعيدًا عن الفلسفة، فهي التي تمنحه العمق الفكري والقدرة على مواجهة أسئلة الواقع والوجود، مشددًا على أن أحد أبرز أزمات المسرح العربي تكمن في إهماله لهذا البعد.

  • السفير علي شيبو تناول في مداخلته ظاهرة العولمة وآثارها المتناقضة على المسرح، مشيرًا إلى أنها أسهمت في إدخال تقنيات جديدة ودمج ثقافات متعددة، لكنها في الوقت نفسه رسخت خطر الاستنساخ وفقدان الهوية. وأكد أن مستقبل المسرح سيشهد ولادة أشكال أكثر ابتكارًا بفضل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي.
  • بينما قدّم الدكتور أحمد مجدي دراسة تحليلية عن انعكاسات العولمة الرقمية على الهوية الإنسانية، مستعرضًا عرض "أوديب المعاد تحميله" كمثال على فقدان الإنسان لهويته وسط العوالم الافتراضية والبيانات الرقمية، حيث يصبح مجرد كيان قابل لإعادة التحميل.

اليوم الأول.. ثراء فكري وحوار متجدد

عكس اليوم الأول من المهرجان ثراءً فكريًا ملحوظًا وتنوعًا في الرؤى النقدية، حيث التقت الفلسفة بالتكنولوجيا والفن بالتجريب، لتضع المسرح العربي في قلب النقاش العالمي حول تحديات العولمة والذكاء الاصطناعي.

ومع اختتام الجلسات، بدا واضحًا أن المهرجان يسعى في دورته الحالية إلى إعادة فتح الملفات الكبرى التي تشغل المسرح المعاصر، مؤكداً أن التجريب ليس غاية في ذاته، بل أداة لفهم التحولات الاجتماعية والتقنية التي يعيشها العالم اليوم.