03 - 09 - 2025

الصحافة في محنة ولن تسعفها منحة!

الصحافة في محنة ولن تسعفها منحة!

أتمنى، وبعض التمنى قد يكون وهما، أن تنجح لجنة تطوير الصحافة التي تم تشكيلها مؤخرا من قبل السلطة في مصر من "رموز" وشيوخ الصحافة، في تطوير المحتوى الذي تقدمه للقراء بما يخرج الصحافة من عثرتها وسقوطها أمام تسونامي "السوشيال ميديا" الذي يجتاح حاليا فضاء المعرفة في البلاد. فالأمر أكبر من شخصياتهم الاعتبارية وصلاحياتهم، وأغلب الظن أن يكون مصير اللجنة المشكلة للتطوير، ذات المصير الذي انتهت إليه لجنة الحوار الوطني لتطوير الحياة السياسية، والتي تم تشكيلها بواسطة السلطة أيضا، وانتهى بها الحال إلى مقاعد المتفرجين.

التشاؤم ليس مصدره التشكيل الذي يضم في غالبيته شخصيات لها تاريخ عدائي مع كل من ينتقد السلطة الحاكمة، وترى المخالفين لتوجهات السلطة في الحياة المعيشية، إما عملاء لأمريكا وأوربا، أو خلايا إخوانية نائمة.. والتشاؤم ليس مصدره أيضا استبعاد الصحف الخاصة من التشكيل، والاكتفاء بالصحف القومية، ما يشير إلى عدم جدية نوايا السلطة في تدشين حد أدنى من حرية الصحافة.. التشاؤم مصدره الواقع الموضوعي الذي تعيشه الصحافة المصرية :

ـ سلطة تعتبر الحرية في إبداء الرأي منحة من الحاكم، وأجهزة أمنية تتحكم في ما ينشر وما لا ينشر.

ـ أحوال معيشية بائسة للجماعة الصحفية تدفع غالبيتها إلى قبول مقايضة حرية النشر وسهولة الحصول على المعلومات، ببدل نقدي يؤمنه وزير المالية، يعينهم على قضاء بعض من حوائجهم، فضلا عن دفعهم دفعا لجلب إعلانات من الوزارات تحت غطاء العمل كمستشارين لهذا المسؤول أو ذاك.

ـ بيئة تشريعية تفتح الباب أمام الحريات السياسية، بنصوص الدستور، يتم تعطيلها بقوة السلطة التنفيذية، ويتم تعديلها وقتما تشاء السلطة وفقا لأهوائها.. بنود ومواد دستورية تفرض على الحكومة الالتزام بحرية وتنظيم تداول المعلومات، يتم تجميدها على خلفية الإرهاب والمخاطر المحيطة بالبلاد والتي تستوجب وتفرض على كل من يحب مصر الصمت والسكوت.. حتى المحاولة اليتيمة لقانون يبيح تداول العلومات وينظمها العام 2018، خرج بروح وفلسفة القانون الجنائي الذي يعاقب بالحبس والسجن، وليس بروح إشاعة المعرفة والتنوير

ـ ممنوعات وعواقب لأي محاولة صحفية تتجول في البلاد، تكشف عن فساد ما، أو فوضى ما فيما تتخذه الحكومة من إجراءات وقرارات تتعلق بحياة المواطنين، حتى التصوير الصحفي بات ممنوعا إلا بتصريح أمنى مسبق، ما أدخل الصحافة حظيرة التدجين، والانبطاح أمام كل وأي مسئول ينال رضاء السلطة، رغم الجهد الشريف الذي تقوم به بعض الأجهزة الرقابية في ضبط الفاسدين.

ـ الخوف العارم داخل الجماعة الصحفية و كل صاحب رأي من الحبس والسجن إذا كتب أيا منهم ما يخالف توجهات السلطة... باختصار، البيئة السياسية في مصر تمثل العقبة الكؤود في تطوير المحتوى الصحفي للجرائد المصرية، لذلك لست متفائلا على الإطلاق.. ولن يكون هناك تطوير للمحتوى، ولو بهامش محدود، طالما أن حرية إبداء الرأي منحة يهبها الحاكم وقتما وكيفما يشاء.. الصحافة في محنة منذ ما يزيد عن نصف قرن، وتحديدا عقب تأميمها لصالح السلطة.. الصحافة في محنة، ولن تسعفها منحة.
-------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الصحافة في محنة ولن تسعفها منحة!