02 - 09 - 2025

رشقة أفكار | حكومات .. قرارتها "مابتنزلش الأرض أبدًا"!

رشقة أفكار | حكومات .. قرارتها

- اسوأ ما في الفكر السلطوي - أو فكر السلطة - تصورها أنها عندما تأتي بأحدهم مسؤولا أن كلامه - كلام السلطة كلها في الحقيقة -  "ما بينزلش الأرض أبدًا"، فهم وحدهم الملهمون والقادرون - كل في مجاله - على ممارسة العمل و التفكير الصحيح ، وغيرهم لا يستطيع أن يدير بيته ، أو حتى "كشك السجاير" الموجود على ناصية الشارع!!!!

- ضع عشرات من علامات التعجب .. فمن أين يأتي هذا المسؤول بأي تميز فكري أو أسلوبي أو عملي ، وهو الذي لم  يتربَّ سياسيا ولاثقافيا في أي مؤسسة فيها "فكر رايح وفكر جاي ورأي رايح ورأي جاي" وعصف ذهني وخلاف واتفاق وأزمات وقرارات وحلول ….

- مثل هذه المؤسسات لم يعد موجوداً منذ عصور .. ظلت الروح تدب في بعض مما كان له تاريخ منها ، حتي أكلها  التجريف، ومع طوفان  الأيام والأزمان، تصحرت العقول وجفت ينابيع  الأفكار  .

- الناس العاديون أحيانا يطرحون كلاما مهما جدا، لكن تحتقره الحكومة وتتجاهله الوزارة وتفعل عكسه السلطة .. تلك هي القاعدة: انت هتفهم أكتر من الحكومة؟!

- ليه  لأ..   هل الحكومات قراراتها مُنَزّلة ؟!

الرئيس ناصر أعلن تنحيه لأنه "غلط" في حسابات عام  ٦٧ ، فوقعت النكسة ، وتحمل فورًا مسؤوليته السياسية عن الهزيمة، ولأنه عبد الناصر فإن الشعب رفض الهزيمة ورفض التنحي وخرج له بالملايين وقال له: هنحارب..  

خصوم عبد الناصر المُسْتَفَزون من مشهد الخروج الجماهيري العارم ، مستكثرين هذا الانعام الشعبي عليه كقائد مهزوم - يزعمون - أن الاتحاد الاشتراكي هو الذي حشد هذه الجماهير الهائلة لتخرج، وهذا معناه الوحيد أن الاتحاد الاشتراكي - وقتها-  كان أكبر وأهم وأقوى تنظيم سياسي على وجه الأرض ، لأنه تمتع بهذه الشعبية والثقة. تنظيم حزبي موثوق فيه وجماهيري بهذا الشكل يستطيع أنه "يطلع بلد بحالها كده تعيد تنصيب رئيس مهزوم وتعطيه شرعيه جديدة لكي يحارب.. معناه واضح ولا التباس فيه".

- السادات عدل عن قراره برفع الأسعار الذي تسبب في إحراق البلد عام ٧٧ .. صحيح أنه وصف "مظاهرات الطعام" بأنها انتفاضة حرامية دبرها اليسار وأنها... ولكنه في النهاية أجبر على إعادة الاسعار القديمة .

- لم يعترف السادات بخطايا كامب ديفيد و التطبيع وخذلان السياسة للسلاح في حرب اكتوبر .. ولا باعتقالات سبتمبر ، لكن نائبه مبارك اعترف بالأخطاء، وأفرج عن الـ ١٥٣٦ معارضا المعتقلين  في مذبحة سبتمبر ٨١ .  

اعترف مبارك بأخطاء أخري ربما بعد فوات الأوان (برلمان خليهم يتسلموا)، التظاهرات في ٢٥ يناير، وبعد مظاهرات جمعة الغضب عدل عن الترشح لمرة سادسة للرئاسة ..

السيسي اعترف بخطأ بناء مدينة الأثاث في دمياط على النحو الذي جعل منها مدينة لا تحقق الهدف المنشود من إنشائها، وربما يأتي وقت يعترف فيه بأشياء أخرى لعلها الأولويات التي نختلف معه عليها !

- الرؤساء يخطئون، و يصححون أخطاء حكوماتهم بأنفسهم  .. فقد ألغى رئيس الجمهورية مؤخرًا قرار وزير الثقافة بإنهاء ندب رئيسة أكاديمية المصرية للفنون في روما، الدكتورة رانيا يحيي ، وقام بإعادتها  إلى منصبها.. ولولا الرئيس ما اعترف الوزير بخطئه...

ومثلما لم يسمع أحد عن أحمد هنو قبل أن يؤتى به وزيرًا للثقافة، جيء بوزير لم يسبق لأحد أن سمع عنه في مضمار الاقتصاد؟ سؤال ماهي تجربة الوزير أحمد كجوك الاقتصادية ليكون مسؤولا عن الاقتصاد في دولة كمصر، مأزومة اقتصاديا وتبحث عن أفكار إنقاذية ، مثلما كانت مشروعات مارشال في أوروبا الخارجة للتو من الحرب، لتتجاوز أزماتها الاقتصادية العاتية ؟!

هل أتاكم نبأ محمود محيي الدين ، الذي لكم الحكومة في وجهها بعنف ، وقال في تصريحات له موخرًا  إنها لم تحقق أي نمو منذ العام ٢٠١٥ !!! - محافظ بنك مركزى سابق مثل طارق عامر كان يعتقد أنه الخبير الأوحد وأنه المحافظ الافضل وأنه الأهم وأنه المنقذ وأنه قراراته الأصوب ولم يحدث أن جنينا من ورائه أي إنجاز ، بل الخراب نتيجة ممارسات السيدة زوجته ، الوزيرة السابقة، التي (اتهمت) باستغلال وجودها سابقا كوزيرة  استثمار ، لدى إدارتها شركة سمسرة مالية !

- ووزير إسكان يعتقد مثلا أن طريقته في تسويق الشقق مناسبة لحل أزمة السكن والحصول عليه في مصر.. وهو لا يدري أن الشقق بعيدة عن مستحقيها خصوصا من الشباب !! ووزير الاستثمار يعتقد أنه بقرار طرح  استثمار رأس الحكمة بالشكل الذي تم ، فإنه قدم لمصر أفضل الأفكار لإنقاذ البلاد من الانهيار !!

- هناك صحفي اقتصادي مشهور بيننا بالولع باجراء دراسات الجدوي لأي مشروعات اقتصادية يقول لمثل هذا الوزير: التعاقدات على الاستثمار في راس الحكمة.. لمستثمرين شابه خطأ فادح ، فهم سيبيعون الفلل والعقارات بملايين الدولارات.. و لم تستفد الدولة من هذه التعاقدات إلا بثمن بيع أرض المشروع ، وهو قليل من المليارات لاتصلح حال معدة الاقتصاد المصري المثقوبة .. ذلك أن الشركات التي ستستثمر في هذا المجال ستفتح فروعا لشركاتها في الخارج وستبيع في الخارج وستحصل على مليارات الدولارات في الخارج وستترك فلوسها في الخارج، ولم ولن تدخل هذه المليارات من الدولارات مصر، وما إشترته بعشرين مليار دولار ستبيعه بسبعين مليار دولار !!!! استفدنا  الفتات وهم سيجنون المليارات من دون أن نحصل على اي عوائد او مزايا ما بعد البيع.

يتساءل هذا الزميل الصحفي الاقتصادي المتخصص: لماذا لم تبع هذه الأرض بنظام ال بي او تي ٤٩٪ للشركة و٥١٪ لمصر بحيث تشترط أن يتم البيع بالدولار ودخول هذه الأموال إلى البلد، ونحن نبحث أساسا عن عملة صعبة؟

أرأيتم؟! الحكمة والفهم الاقتصادي السليم ليست محتكرة أو قاصرة على وزير أو مسؤول..

- هل يسأل المحافظون المواطنين لدى انعقاد مجالس المحافظات (حينما كانت موجودة) عن رأيهم في حلول لمشاكل التعليم وكيف يرون سلبياته. والغش وكيف تجب مكافحته؟! هل سالوهم عن اقتراحاتهم للتخلص من مشاكل تراكم الزبالة وتهرؤ الطرق وامتداد الحفر فيها والمطبات غير المدروسة مكانها ولا تصميمها .. ومواقف السرفيس وتعريفة الركوب ومشكلات الأجرة والخلافات بين المواطنين والسائقين؟

*هل يعلم أحد من وزراء السياحة والآثار المشكلات الحقيقية للسياحة في مصر .. وهل يعملون على حلها؟

- لماذا لا نقدس قيمة التفكير ونعرف أن بعض أفكار الناس وتجاربهم كالألماس؟!

لماذا نتعامل مع الأمور بمنطق سياسي فقط ؟! فالمعارض يوضع  في السجن لأنه يمارس التفكير ومعه ينتقد الساسيات العامة للدولة؟

هل الدولة يجب ان تحصن من النقد؟ ربما يرفض بعض الوزراء والمسؤولين النقد الشديد أو الجارح، فلنعمل على ايجاد تشريعات تحد من تأثير الهجوم غير الصائب والسباب والقذف والتهم بلا أدلة.. بالتعاون مع نقابة الصحفيين المصرية، واما  الأفكار فلا يعاقب الناس عليها، بل كل الأفكار، تناقش، حتي لو كانت فكرة في الدين ،من دون أن نفتش هل صاحبها "بتاع ربنا أو لا ديني".
---------------------------
بقلم: محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار | حكومات .. قرارتها