تُعد العلاقات بين مصر وقطر نموذجاً معبّراً عن طبيعة التفاعلات العربية خلال العقود الأخيرة؛ إذ عرفت هذه العلاقات محطات من التقارب وأخرى من الخلاف، لكنها في السنوات الأخيرة أخذت منعطفاً جديداً يعكس إرادة سياسية صلبة لدى القيادتين في البلدين لتجاوز التباينات السابقة والانطلاق نحو مرحلة من التعاون الاستراتيجي.
وعلى وقع انعقاد الدورة السادسة للجنة العليا المصرية–القطرية في مدينة العلمين في 28 أغسطس 2025، تبرز العلاقات بين القاهرة والدوحة نموذجاً حياً لقدرة الدول العربية على تجاوز خلافات الماضي، وفتح آفاق جديدة لشراكة شاملة تتخطى البعد الثنائي لتنعكس على مجمل التوازنات الإقليمية.
أولاً: خلفية تاريخية للعلاقات المصرية–القطرية
ترجع جذور العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة والدوحة إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث أسست على أسس المصالح المشتركة والتواصل العربي. وعلى الرغم من أن العلاقات شهدت فترات من التباين، خاصة خلال العقد الماضي بسبب اختلاف الرؤى إزاء بعض القضايا الإقليمية، فإنها لم تنقطع، بل ظلت تحافظ على الحد الأدنى من التواصل.
ومع التغيرات التي شهدتها المنطقة، برزت الحاجة الماسة إلى إعادة صياغة هذه العلاقات بما يتناسب مع التحديات الجديدة، وهو ما عكسته الزيارات المتبادلة على مستوى القيادة، بدءاً من لقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وصولاً إلى الزيارات الرسمية التي أعادت العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
ثانياً: اللجنة العليا المشتركة كآلية مؤسسية للتعاون
أُنشئت اللجنة العليا المصرية–القطرية كإطار مؤسسي يهدف إلى متابعة العلاقات الثنائية وتوسيعها في مختلف المجالات.
ومع انعقاد دورتها السادسة في مدينة العلمين برئاسة الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ومعالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر، بدا واضحاً أن اللجنة تحولت من مجرد منصة حوار بروتوكولية إلى أداة حقيقية لصياغة أجندة تعاون واضحة ومحددة.
تشكيلة الوفدين في الاجتماع عكست هذا التوجه؛ حيث ضم الوفد المصري وزراء الصحة والتضامن والزراعة، بينما شارك من الجانب القطري وزراء المالية والبلدية، وهو ما يعكس تنوع مجالات التعاون المطروحة على الطاولة.
كما أن التوقيع على مذكرات تفاهم في مجالات الزراعة والأمن الغذائي والتأمينات الاجتماعية والمشاورات السياسية يعكس انتقال العلاقات إلى مستوى مؤسسي من التنسيق.
ثالثاً: الاقتصاد كقاطرة للشراكة الجديدة
لا شك أن البعد الاقتصادي يمثل ركيزة أساسية في مسار التقارب بين البلدين، فقد أكد وزير الخارجية المصري أن الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الدولة خلال السنوات الأخيرة خلقت بيئة جاذبة للاستثمارات، وأن مصر تتطلع لاستقبال المزيد من الاستثمارات القطرية في مجالات النقل واللوجستيات والطاقة الجديدة والسياحة والتطوير العمراني.
من جانب آخر، أبدت قطر استعداداً للمشاركة الفعّالة في هذه القطاعات، خاصة في ظل امتلاكها خبرات مالية واستثمارية ضخمة على المستوى الدولي.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات القطرية في مصر مرشح للتضاعف خلال السنوات المقبلة، خصوصاً بعد الإعلان عن المنتدى الاستثماري المصري–الخليجي المرتقب في القاهرة، والدعوة لتشكيل مجلس أعمال مصري–قطري ليكون منصة دائمة لتنسيق الاستثمارات المشتركة.
هذا التوجه يعكس إدراكاً متبادلاً بأن التكامل الاقتصادي بين مصر بما تملكه من سوق ضخم وبنية تحتية متطورة، وقطر بما تملكه من قوة مالية واستثمارية، يمكن أن يشكل نموذجاً عربياً ناجحاً للتعاون الاقتصادي ينعكس على الاستقرار والتنمية في المنطقة.
رابعاً: البعد السياسي والإقليمي
إلى جانب الاقتصاد، كان البعد السياسي والإقليمي حاضراً بقوة في اجتماعات اللجنة، فقد ناقش الجانبان تطورات القضية الفلسطينية، حيث أُشيد بالتنسيق المصري–القطري في ملف غزة، خاصة في جهود وقف إطلاق النار وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية.
هذه النقطة تحديداً تبرز الدور المحوري للبلدين في إدارة الأزمات الإقليمية، وتؤكد أن أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يُكتب له النجاح دون دور فعال لكل من القاهرة والدوحة.
كما تناولت المباحثات ملفات أخرى مثل الأوضاع في السودان واليمن وسوريا وليبيا ولبنان، فضلاً عن قضايا البحر الأحمر والقرن الأفريقي والملف النووي الإيراني.
هذا الاتساع في دائرة الحوار يعكس رؤية مشتركة بأن أمن المنطقة كلٌّ لا يتجزأ، وأن تعزيز التنسيق بين مصر وقطر ليس خياراً دبلوماسياً فحسب، بل ضرورة لحماية المصالح العربية من التدخلات الخارجية.
خامساً: فلسطين كقضية مركزية
شكّلت القضية الفلسطينية محوراً أساسياً في المباحثات، حيث أدان الجانبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وأكدا أن استمرار هذه السياسات لا يؤدي إلا إلى تعقيد الأوضاع وتفاقم المعاناة الإنسانية.
وقد جاء هذا الموقف منسجماً مع الجهود الدولية التي تقودها مصر وقطر إلى جانب أطراف أخرى مثل الولايات المتحدة عبر مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
إن التوافق المصري–القطري حول فلسطين يمثل ركيزة مهمة لإعادة صياغة الموقف العربي الموحد إزاء هذه القضية المركزية، ويعزز من مكانة البلدين كوسيطين رئيسيين في أي عملية سلام مستقبلية.
سادساً: الدبلوماسية المتوازنة لمواجهة التحديات
إحدى السمات البارزة في العلاقات المصرية–القطرية هي السعي إلى تحقيق توازن دبلوماسي في ظل عالم متغير.
فمصر، بحكم موقعها الجغرافي وثقلها السياسي، تتبنى رؤية شاملة لأمن المنطقة، بينما تمتلك قطر شبكة واسعة من العلاقات الدولية وقدرة على التحرك بمرونة في الملفات المعقدة.
هذا التكامل بين الثقل الجغرافي والسياسي لمصر والقدرة الدبلوماسية لقطر يوفر أرضية خصبة لبناء شراكة إقليمية مؤثرة.
سابعاً: دلالات انعقاد اللجنة في العلمين
اختيار مدينة العلمين لعقد اجتماعات اللجنة لم يكن تفصيلاً عابراً، بل يعكس رسالة رمزية، فالعلمين التي تحولت إلى أيقونة للتنمية والعمران الجديد في مصر، تعكس رؤية الدولة المصرية لمستقبل يقوم على التنمية والتجديد.
وبالنسبة للعلاقات المصرية–القطرية، فإن انعقاد اللجنة هناك يمثل إشارة إلى أن هذه العلاقات تدخل مرحلة جديدة من البناء والتحديث، تماماً كما تعكس المدينة روح الانطلاقة المصرية نحو المستقبل.
ثامناً: التحديات أمام الشراكة المصرية–القطرية
على الرغم من الزخم الإيجابي، فإن هناك تحديات قائمة يجب التعامل معها بواقعية، أبرزها:
1. التباينات في بعض الملفات الإقليمية مثل ليبيا أو طبيعة التحالفات الدولية.
2. الحاجة إلى تحويل التفاهمات السياسية إلى مشروعات اقتصادية ملموسة يشعر بها المواطن في البلدين.
3. التحديات المرتبطة بالوضع الإقليمي المضطرب الذي قد يؤثر على مسار التعاون.
لكن الإرادة السياسية المعلنة من القيادتين كفيلة بتجاوز هذه التحديات وتحويلها إلى فرص.
تاسعاً: مقارنة تاريخية بين الأمس واليوم
عند النظر إلى العلاقات المصرية–القطرية في العقد الماضي، تتضح الفجوة الكبيرة بين واقع الأمس وآفاق اليوم.
فقد شهدت هذه العلاقات خلال الفترة ما بين 2013 و2017 توتراً ملحوظاً نتيجة لاختلاف المقاربات السياسية تجاه بعض الأزمات الإقليمية، وعلى رأسها الأوضاع في مصر بعد عام 2013، والأزمة الليبية، وملفات أخرى متصلة بالسياسة العربية والدور الإقليمي لقطر.
وقد أدى ذلك إلى فتور في العلاقات وصل في بعض الفترات إلى حد القطيعة السياسية والإعلامية.
مرحلة التباعد (2013–2017)
في تلك المرحلة، كان الخطاب السياسي والإعلامي يعكس هوة عميقة بين البلدين، فقد رأت مصر أن قطر تدعم قوى سياسية لا تتماشى مع أولويات الدولة المصرية في تلك الفترة، فيما تبنت الدوحة سياسة خارجية نشطة تقوم على دعم أطراف إقليمية متعددة.
ونتيجة لذلك، خرجت العلاقات من مسارها الطبيعي، وأصبحت رهينة ملفات خلافية أثرت بشكل مباشر على التعاون الاقتصادي والسياسي.
بداية الانفراج (2018–2020)
مع مرور الوقت، بدأت مؤشرات الانفراج تظهر تدريجياً، خاصة مع إدراك الطرفين أن استمرار التباعد لا يخدم مصالحهما، ولا يتماشى مع التحولات الإقليمية المتسارعة.
ومع الجهود العربية والدولية لرأب الصدع الخليجي–العربي، بدأت قنوات التواصل بين القاهرة والدوحة تُفتح من جديد، وإن كان ذلك في البداية بشكل غير معلن.
اتفاق العلا (يناير 2021) نقطة التحول
شكّل توقيع اتفاق العلا في المملكة العربية السعودية محطة مفصلية، حيث أسهم في إنهاء مرحلة القطيعة بين قطر وعدد من الدول العربية، من بينها مصر.
وبالنسبة للعلاقات المصرية–القطرية، كان هذا الاتفاق بمثابة بداية مسار جديد، حيث عادت الزيارات الرسمية تدريجياً، وبدأت اللقاءات السياسية تتخذ طابعاً أكثر إيجابية.
مرحلة إعادة بناء الثقة (2021–2023)
خلال هذه السنوات، اتخذ البلدان خطوات عملية لإعادة بناء الثقة، فقد عادت الاستثمارات القطرية تدريجياً إلى السوق المصرية، وتم فتح قنوات الحوار السياسي حول الملفات الإقليمية، كما لعبت الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين دوراً بارزاً في تثبيت هذا المسار الجديد.
مرحلة الانطلاقة (2024–2025)
مع الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة في أبريل 2025، دخلت العلاقات مرحلة جديدة يمكن وصفها بمرحلة “الانطلاقة”.
لم تعد العلاقة محصورة في محاولات ترميم الماضي، بل انتقلت إلى التفكير في المستقبل من خلال مشروعات اقتصادية مشتركة، وتنسيق سياسي واسع في قضايا المنطقة.
وأكد انعقاد اللجنة العليا في العلمين أن العلاقات لم تعد أسيرة الماضي، بل أصبحت قائمة على رؤية استراتيجية تُركّز على المصالح المشتركة والشراكات طويلة الأمد.
عاشراً: الدروس المستفادة من التحول
هذا التحول من القطيعة إلى الشراكة يقدم عدداً من الدروس المهمة:
1. أن الخلافات مهما كانت حدتها يمكن تجاوزها إذا توفرت الإرادة السياسية.
2. أن المصالح المشتركة الاقتصادية والسياسية تشكّل أساساً متيناً لأي علاقة عربية–عربية.
3. أن البيئة الإقليمية المليئة بالتحديات تفرض على الدول العربية التعاون بدلاً من الصراع.
4. أن العلاقات بين مصر وقطر مرنة وقابلة للتكيف مع المتغيرات الدولية، وهو ما يجعلها نموذجاً لعلاقات عربية قابلة للتجديد
الحادي عشر: الإعلام والبعد الثقافي كجسر للتقارب
إلى جانب السياسة والاقتصاد، يلعب الإعلام والثقافة دوراً أساسياً في تشكيل صورة العلاقات بين الشعوب، وهو ما ينطبق بوضوح على العلاقات المصرية–القطرية.
الإعلام بين التباعد والتقارب
خلال سنوات الخلاف، كان الإعلام أحد أبرز ساحات الصراع، حيث تبادلت المنابر الإعلامية انتقادات حادة أسهمت في زيادة حدة التوتر بين البلدين.
غير أن التحول السياسي والدبلوماسي الذي شهدته العلاقات انعكس تدريجياً على الخطاب الإعلامي، الذي بدأ يتبنى لغة أكثر اعتدالاً وتوازناً، خاصة مع إدراك الطرفين أن الإعلام يمكن أن يكون أداة للتقارب بدلاً من التصعيد.
اليوم، لم يعد الإعلام المصري والقطري يتعامل مع الآخر كخصم، بل كطرف شريك في بناء المستقبل، بل وظهرت تغطيات إيجابية للزيارات المتبادلة وللاستثمارات المشتركة، ما أسهم في تحسين صورة العلاقات أمام الرأي العام في البلدين.
الثقافة كقوة ناعمة
العلاقات الثقافية بين مصر وقطر لم تنقطع حتى في أصعب الفترات، فالفن المصري ظل حاضراً في المشهد الثقافي القطري، سواء عبر الدراما أو السينما أو المسرح، كما ظل المثقفون القطريون يشاركون في معارض الكتاب والمهرجانات الفنية بالقاهرة.
هذه الروابط الثقافية تمثل ما يُعرف بالقوة الناعمة، التي تساعد في الحفاظ على الحد الأدنى من التواصل حتى في أوقات التباعد السياسي.
البعد الشعبي.. رصيد مشترك
إلى جانب الثقافة، هناك بعد شعبي لا يمكن تجاهله، فهناك جالية مصرية كبيرة في قطر تقدر بعشرات الآلاف، تعمل في مختلف القطاعات وتُسهم في التنمية القطرية.
هؤلاء المصريون يمثلون جسراً إنسانياً واجتماعياً بين البلدين، ينقلون صورة حية عن المجتمع القطري إلى الداخل المصري، وفي الوقت نفسه يساهمون في تعريف الشعب القطري بعمق الحضارة المصرية وتنوعها.
كما أن استقبال قطر لعدد كبير من الفعاليات الرياضية والثقافية، وعلى رأسها كأس العالم 2022، شكّل مناسبة لتعزيز الحضور العربي المشترك، حيث كان لمصر حضور لافت على المستويين الجماهيري والإعلامي، وهو ما يعكس التداخل الطبيعي بين الشعبين.
الثاني عشر: الإعلام والدبلوماسية الشعبية
من المهم الإشارة إلى أن العلاقات بين مصر وقطر بحاجة إلى تعزيز دور الدبلوماسية الشعبية، التي لا تقتصر على الحكومات فقط، بل تشمل الإعلاميين والمثقفين والفنانين ورجال الأعمال.
هذه القوى قادرة على تعميق الروابط بشكل مباشر بين الشعبين، وتجاوز أي عقبات سياسية طارئة.
ويمكن أن يرسخ فتح قنوات إعلامية وثقافية مشتركة، مثل برامج تبادل ثقافي أو إنتاج درامي مشترك، صورة جديدة للعلاقات بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل والشراكة الثقافية، بما ينعكس إيجاباً على التعاون في المجالات الأخرى.
دور السفير القطري في القاهرة
لم يكن مسار التقارب المصري–القطري في السنوات الأخيرة محصوراً في اللقاءات على مستوى القادة أو الاجتماعات الوزارية فحسب، بل لعبت الدبلوماسية المباشرة على مستوى السفارات دوراً مؤثراً في بناء جسور الثقة.
وفي هذا السياق، برز اسم السفير القطري في القاهرة، طارق علي الأنصاري، الذي يُنظر إليه كأحد أبرز مهندسي المرحلة الجديدة في العلاقات بين البلدين.
منذ توليه مهامه، حرص الأنصاري على اعتماد مقاربة تقوم على التواصل المباشر مع مختلف دوائر صنع القرار في مصر، إلى جانب الانفتاح على النخب الفكرية والإعلامية والاقتصادية.
وقد أسهم هذا النهج في تخفيف حدة التباينات، وتهيئة بيئة مواتية للانتقال من مرحلة "إدارة الخلافات" إلى مرحلة "بناء الشراكات".
كما كان للأنصاري دور ملموس في تعزيز الحضور الاقتصادي القطري في مصر عبر تشجيع المستثمرين القطريين على دخول قطاعات استراتيجية مثل الطاقة الجديدة، والسياحة، والعقار، واللوجستيات، فضلاً عن دعمه المتواصل لتفعيل آلية مجلس الأعمال المصري–القطري.
وقد انعكس ذلك في تزايد وتيرة اللقاءات بين رجال الأعمال من الجانبين، بما مهّد الطريق لصفقات ومشروعات قيد الدراسة.
وعلى الصعيد السياسي، حرص السفير كونه مندوب قطر الدائم لدي الجامعة العربية، على أن تكون السفارة القطرية في القاهرة منصة للحوار والتواصل في القضايا الإقليمية المعقدة، خاصة ما يتعلق بملف غزة والتنسيق المصري–القطري لضمان وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما جعل تحركاته تحظى بتقدير واسع داخل الأوساط الدبلوماسية.
إلى جانب ذلك، لم يغفل الأنصاري البعد الثقافي والإنساني، حيث عمل على رعاية أنشطة ثقافية مشتركة، ودعم المبادرات التي تعزز التواصل الشعبي بين البلدين، في ظل وجود جالية مصرية كبيرة في الدوحة، هذا البعد "الناعم" منح العلاقات زخماً إضافياً، وأكسبها طابعاً إنسانياً مكملاً للمستوى السياسي والاقتصادي.
وبذلك، يمكن القول إن السفير طارق الأنصاري مثل جسرًا عمليًا وفعالاً في ترجمة التوجهات السياسية للقيادتين إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع، الأمر الذي جعل دوره أحد أعمدة التحول الإيجابي في العلاقات المصرية–القطرية خلال المرحلة الراهنة.
خلاصة المشهد
يوضح استعراض المسار التاريخي والتحولات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية بين مصر وقطر أننا أمام علاقة متعددة الأبعاد، لم تعد مجرد تواصل بين حكومتين، بل شراكة تشمل المستوى الرسمي والشعبي والإعلامي والثقافي.
ويري مراقبون أن انعقاد الدورة السادسة للجنة العليا المصرية–القطرية بمدينة العلمين ليس مجرد خطوة بروتوكولية، بل إعلان صريح بأن القاهرة والدوحة تتجهان نحو بناء نموذج جديد للعلاقات العربية–العربية، نموذج يُوازن بين المصالح السياسية والاقتصادية، ويستند إلى رصيد شعبي وثقافي قادر على الصمود أمام التحديات.
ويشير المراقبون إلي أن مصر وقطر، بفضل ما تملكانه من إمكانيات وقدرات، أمامهما فرصة تاريخية لصياغة علاقة استراتيجية تُسهم في إعادة الاعتبار لمفهوم الوحدة العربية القائمة على المصالح العملية والتكامل الاقتصادي والثقافي، وتعيد للمنطقة العربية دورها كفاعل رئيسي في النظام الدولي.