على مدار أكثر من سبعين عامًا، خاضت المرأة المصرية رحلة طويلة مليئة بالتحديات والصعوبات من أجل الوصول إلى منصة القضاء داخل مجلس الدولة والذي يُعد المؤسسة القضائية العريقة التي تأسست عام 1946. هذه المسيرة لم تكن مجرد معركة قانونية، بل كانت صراعًا مجتمعيًا وثقافيًا لكسر أحد أقوى الحواجز أمام تمكين المرأة.
البداية مع معركة عائشة راتب (1949 – 1952)
بدأت القصة مع الدكتورة عائشة راتب، أول خريجة حقوق تتقدم للتعيين بمجلس الدولة عام 1949، ولكن المجلس رفض طلبها بدعوى أن طبيعة العمل القضائي لا تناسب المرأة، فلجأت إلى القضاء لرفع دعوى ضد هذا القرار، لكنها قوبلت أيضاً بالرفض عام 1952، لتصبح عائشة راتب أول وجه نسائي يتحدى حرمان المرأة من المنصة القضائية.
2009 حلم مؤجل
أعلن المجلس بعد عقود طويلة في عام 2009 عن إمكانية قبول تعيين الإناث، لكن القرار لم يدم طويلًا، حيث صوتت الجمعية العمومية لمستشاري المجلس ضد القرار، ما اعتُبر انتكاسة جديدة لقضية المرأة وأثار جدلًا واسعًا في الشارع المصري.
حملة "المنصة حقها" عام 2017
ظهرت في مواجهة هذا الوضع حملة “المنصة حقها" التي قادتها حقوقيات شابات للدفاع عن حق المرأة في تولي القضاء. ورغم الزخم الإعلامي، إلا أن المحكمة الإدارية العليا رفضت الدعوى عام 2017 مؤكدة حق المجلس في اختيار أعضائه.
نقطة التحول 2021
اللحظة الفارقة جاءت عام 2021 حين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهًا بفتح الباب أمام تعيين المرأة في مجلس الدولة والنيابة العامة، ليكسر جدار الرفض التاريخي ويفتح صفحة جديدة في مسيرة المرأة القضائية.
القرار يتحول إلى واقع 2022
أعلن مجلس الدولة رسميًا ولأول مرة عن قبول خريجات كلية الحقوق دفعة 2021. وبالفعل، التحقت مجموعة من الشابات بمقاعد المجلس كمندوب مساعد، لتصبح المرأة المصرية أخيرًا جزءًا من السلك القضائي في هذه المؤسسة.
2025 عام تتويج الكفاح
ويأتي عام 2025 ليحمل حدثًا استثنائيًا، حيث يتم تعيين أول دفعة مختلطة من الذكور والإناث معًا بدرجة "مندوب مساعد". خطوة تعكس المساواة الكاملة في فرص التعيين وتؤكد أن المنصة لم تعد حكرًا على الرجال.
ومن هنا نستطيع أن نقول أن رحلة المرأة المصرية إلى مجلس الدولة هي حكاية صبر وإصرار استمرت لأكثر من سبعين عامًا، بدأت برفض الدكتورة عائشة راتب، وانتهت بفتح الأبواب أمام أجيال جديدة من القاضيات. إنها ليست مجرد قصة تعيين في وظيفة، بل انتصار لإرادة المرأة المصرية وإثبات أن العدالة لا تكتمل إلا بمشاركتها على منصة القضاء، ولا يمكن أن ننسى أبداً الدور الذي لعبه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كسر عقدة التعصب الذكوري داخل مجلس الدول بالتدخل المباشر العادل منه، منتصراً للمرأة ومؤكداً على دورها المحوري في الحفاظ على ركائز الوطن واستقراره، عاملاً بذلك على المساعدة بقوة على تغيير قناعات المجتمع، فلم تخرج المرأة إلى التعليم في بدايات القرن التاسع عشر باقتناع المجتمع ولكن بقرار مباشر من محمد علي، ولم تدخل المرأة البرلمان باقتناع المجتمع ولكن بقرار مباشر من الرئيس الراحل والزعيم الخالد جمال عبد الناصر، فالحاكم المستنير هو الذي يبدأ الخطوات الجريئة على طريق تحديث المجتمع وبعده يتحول الأمر إلى عادة اجتماعية لا يستطيع أحد أن ينازعها.
----------------------------
بقلم: أمنية طلعت المصري