تمر المنطقة بفترة عاصفة توشك أن تقتلع ما تبقى من عالم عربي وتترك الهيمنة شاملة كاملة للكيان رغم هشاشته.
الأنظمة العربية رغم تخمتها، أبدت في مواجهة الكيان انبطاحا واستسلاما مخزيا بلا مقابل، رغم أنه مأزوم منذ عامين في 365 كيلو متر مربع اجمالي مساحة القطاع.
لو نظرنا في حال تلك الأنظمة، وبحثنا عن موقف قوي رادع، ما وجدنا لأكثرهم من عهد مع مفاهيم التصدي والصمود أو المواجهة.
لذلك ليس بالمستغرب أن يقفز للذهن وسط هذا التخاذل، التساؤل: لماذا استدعى العقل الباطن للمجتمع المصري تحديدا وللباحثين عن مفاهيم الاستقلال والسيادة والتصدي للهيمنة من المجتمعات العربية على قلتها، لماذا استدعوا صورة عبد الناصر وأحاديثه ومواقفه في تلك الأزمة الممتدة التي يشهدها عالمنا العربي؟
ربما لأن سياسة ناصر كانت قائمة على المواجهة ورفض الاستسلام رغم الهزيمة، والتأكيد الراسخ على أن الكيان عدو لا يمكن القبول به ولابد من التصدي له؛ ورحل الرجل وهو قابض على جمر المواجهة والصمود، رغم ما حاق بالبلاد من هزيمة في 1967.
على النقيض لم يستدع أحد الرئيس أنور السادات، ولا التلويح به كمنتصر على الكيان في مواجهة 1973؛ ربما لأن الرجل رأي أن السلام مع الكيان هو الأمر الأسلم والأصوب، وأنه يمكن التعايش معه ورفع شعار أن حرب 73 آخر الحروب مع الكيان..
أتى الواقع ليكذب نظرة السادات، وأظهرت الأيام أن نظرة عبد الناصر كانت الأصوب، وأن ذلك الكيان أشبه بخلية سرطانية لا يمكن التعايش معها؛ لأنها لا تؤمن إلا بمهاجمة ما حولها والهيمنة عليه، وعدم ترك الجسد إلا جثة هامدة، ولا فرق بين سلوك الكيان والمرض الخبيث.
يكره الكيان والدائرون في فلكه سيرة ومسيرة عبد الناصر كراهية العمى؛ ويحتفلون ويهللون للسادات ورؤيته ومسيرته؛ ولذلك على العرب أن يتحسسوا ما تبقى من رؤوسهم حين الحديث عن عبد الناصر وفكره ومسيرته.
أكدت المواجهات الدائرة الآن والتي فرضها واقع الطوفان وتداعياته أن نظرة عبد الناصر رغم ثمنها الباهظ هي الأصوب، وأن رؤية السادات رغم انتصاره كانت مشوشة، وخاصة حين ركنت المجتمعات العربية إلى الاستسلام وليس السلام، ورفعت شعار "ما بنا طاقة لامتشاق الحسام" وقعدوا مع القاعدين وثبطوا همم المقاومين والذين يحاولون التصدي لتلك البؤرة السرطانية ولو بأيدهم حفاة عراة في أكناف بيت المقدس.
------------------------
بقلم: معوض جودة