26 - 08 - 2025

معاملة الطفل في نيويورك !

معاملة الطفل في نيويورك !

قبل حوالي 35 عاماً في نيويورك  ، اتصل موظف إداري في قنصليتنا منزعجاً وباكياً ، وأفاد أن بعض رجال وسيدات من الشرطة حضروا ، وأخذوا أطفاله الإثنين عنوة ، ولم يستطع فهم الموضوع ، وزوجته في حالة انهيار .

تم الإتصال بمدير أمن نيويورك ، والذي كانت لي معه علاقات طيبة ، ومخصصة أساساً لحماية الجالية المصرية ، أخذ البيانات وطلب الإنتظار لبعض الوقت حيث أن اليوم كان الإجازة الأسبوعية.

بعد حوالي ساعة شرح أن إحدي جارات الموظف المصري تقدمت بشكوى إلي إدارة خاصة بحماية الأطفال حتي سن 17 عاماً ، وقالت أنها تسمع كل يوم صراخ وبكاء الطفلين ، بينما يقوم أبوهما أو أمهما بتعذيبهما بشكل منهجي .

أبديت إعتراضي الشديد ، مؤكداً علي أنه لا يعقل أن يقوم أب أو أم مصري بتعذيب الأطفال ، وأنني أتشكك في شكوي تلك السيدة الأمريكية ، التي ربما أزعجها لهو الأطفال ولعبهم .

قال أن قانون الطفل في أمريكا شديد الصرامة ، ويأخذ كل شكوي بجدية كبيرة حماية للأطفال ، وأن هناك تحريات أثبتت بالفعل أن الأب علي الأقل يعتدي بالضرب بقسوة علي أطفاله ، ولذلك لم يعد أميناً علي رعايتهم ، وأنه تم تسليمه إنذارا بالحضور أمام محكمة خاصة في يوم محدد ، وإذا كان محظوظاً فأن القاضي قد يحكم بأن يحرم من أطفاله الذين سيحجزون في ملجأ خاص للتأهيل والرعاية لمدة لن تقل عن ثلاثة أشهر ، مع إلزام الأب والأم بالإنتظام يومياً في مركز خاص بمعالجة الكبار الذين يسيئون معاملة الأطفال ، ولن يسمح لهما بإستلام أطفالهم إلا بإجتياز الإختبارات الخاصة بهذا المركز ..

دار نقاش طويل وحاد ، حاولت فيه أن أشرح إختلاف العادات والتقاليد في أسلوب تربية الأطفال ، كما حاولت الإحتجاج بالحصانة الدبلوماسية للأسرة المستهدفة ، فقال لي أن قانون الطفل من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته ، وينطبق علي كل من يعيش في أمريكا ولا تمنع تطبيقه أي حصانة .

فكرت في مقابلة الجارة الشاكية كي تتنازل عن شكواها ، لكنه أوضح أن المسألة قد خرجت من ولايتها ، وصارت حقا من حقوق المجتمع المكفول بالحماية .

أجريت اتصالات مع مسئول وزارة الخارجية الأمريكية الذي يتولي هذا الموضوع ، وأرسلت مذكرة توضح الموقف القانوني وأهمية مراعاة إختلاف بعض السلوكيات بين المجتمعات المختلفة ، وأن صراخ الأطفال في  الغالب يكون للتعبير عن أنفسهم للمطالبة ببعض الأشياء.. ولكن كل ذلك لم يغير من الأمر شيئاً .

وبسؤال الأخ الإداري ، أقر بأنه فعلاً يضرب أطفاله أحياناً كي يربيهم ، وأحياناً حتي يتمكن من النوم ، وأنه لا يضربهم بقسوة ، لأنهم في النهاية أطفاله .

أضطر في النهاية للرضوخ ، ونزع أطفاله بعيداً عنه لمدة ثلاثة أشهر ، بينما انتظم هو وزوجته خلال نفس الفترة الحضور لمركز تأهيل متخصص كي يربيهما ليعلما كيف يربيان أطفال ..

بعد أن انتهت هذه الفترة ، وعاد الطفلان بصحبة أبويهما ، كانت المشكلة المعقدة هي أن الأطفال كانا يهددان والديهما إذا لم يستيجيبا لأي شئ يطلبانه ، بأنهما سيتصلان بمس جونز في مركز تأهيل الأطفال !!
-------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق


مقالات اخرى للكاتب

معاملة الطفل في نيويورك !