من خلال المتابعة للمواقف الإسرائيلية تجاه الدول التي تعارض سياساتها الدموية وحرب الإبادة التي تخوضها منذ ما يقارب 23 شهراً على غزة وأهلها وتخطت العداء مع حماس، وغيرها لتطال المدنيين، نجد أنها لا تتورع في استخدام كل الأوراق، الدبلوماسية والسياسية والإعلامية والجاسوسية وغيرها لإثناء الدول المتضامنة مع الفلسطينيين عن مواقفها، ولتحقيق أطماعها في إخلاء قطاع غزة من سكانها، وفي المقابل نقف نحن وغيرنا والعالم متفرجين، ومجرد مراقبين لا محللين وفاعلين.
إسرائيل تسبق الجميع في اتخاذ قراراتها ومواقفها دون اعتبار لأي ردود فعل، وتضع نفسها في موقف القوى لحماية ما تسميه بمصالحها، ولا تلتفت لأي مواقف وردود فعل، فالأهم عندها حماية نفسها، وفرض ما تراه بأمر الواقع، وبالقوة، وأنها صحابة حق، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع مواقف البعض، ويدفع بالبعض إلى مراجعة مواقفه، وتضامنهم مع غزة.
وفي مقابل هذا لا نرى أن مواقف المنظمات الأممية والدول الأخرى، ومنها عالمنا العربي تقف مواقفهم عند الشجب والإدانة، ودون استخدام لأي أوراق ممكن أن تدفع بإسرائيل إلى نوع من التراجع، وإعادة دراسة مواقفها في هذه الحرب الدموية، وهو ما يبدو واضحا في مواقف غالبية الدول والمنظمات الدولية مع هذا الكيان المحتل، وكأنهم وبالتعبير المصري العام "على رأسهم بطحة".
في الفترة الأخيرة وفي أعقاب اعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خاض الكيان المحتل معركة ضد فرنسا وماكرون، وصلت في مراحلها، الإعلان عن اعتزام إسرائيل إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، وذلك بموجب قرار اتخذه وزير الخارجية الإسرائيلي، "جدعون ساعر"، بعد مداولات حول خطوات أعلنها ماكرون للاعتراف بدولة فلسطين.
وبدأت الآلة الإعلامية الإسرائيلية تدخل على الخط، وبتوجيهات واضحة، لتروج لهذا التهديد بإغلاق القنصلية، فقد نقلت وكالات الإعلام عن صحيفة "يسرائيل هيوم"، هذا الأسبوع، زعمها بأن ماكرون يقيم علاقات مباشرة مع السلطة الفلسطينية بواسطة السفارة الفرنسية في القدس – مع العلم أن السلطة الفلسطينية لها سفير في باريس -، وأن القنصل الفرنسي سلم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رسالة حول توقعات اعتراف فرنسي قريب بالدولة الفلسطينية.
وزادت خارجية الكيان المحتل من مواقفها تجاه باريس، بالقول إن "القنصلية تعمل بشكل استفزازي"، معتبرة أن فرنسا تقود خطاً معادياً ضد إسرائيل، والتي تترجمها خطوات ماكرون.
ومن المهم ملاحظة أن الإعلام الإسرائيلي، أخذ يروج ويهدد بالقول بأن من بين أهداف الخطوة الإسرائيلية ضد فرنسا بالتهديد بغلق قنصليتها في القدس، هي بمثابة رسالة للاتحاد الأوروبي وأعضاءه بأن هناك ثمن باهظ وخسارة لمن يعمل ضد إسرائيل.
التفسيرات واضحة للمواقف الإسرائيلية، حيث لا تتورع في اتخاذ أي خطوات وبالتهديد بخطوات دبلوماسية لحماية مصالحها، ولا تنظر إلى أي رد فعل، فحماية مصالحها تضعه على قائمة الأولويات، بل وصل الأمر بها بدفع الآلة الإعلامية للقول بأن كل شيء وارد وكل الإجراءات قائمة للتصدي لأي قرار أو مجرد التفكير فيما يهدد "أمن إسرائيل" ووقف أي خطوات في مهدها من دول الاتحاد الأوروبي، وأي دولة أخرى أو مجرد التصريح بذلك، بخطوة تتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وفي خطوة أخرى لمواجهة وعقاب الدول المساندة للقضية الفلسطينية، فقد ألغت وزارة الخارجية الإسرائيلية تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين لدى السلطة الفلسطينية، وأصدر وزير الخارجية الإسرائيلي "جدعون ساعر" قراراً يشمل كل الممثلين الأستراليين في الأراضي الفلسطينية، وتم إبلاغ السفير الأسترالي في إسرائيل بهذا القرار، في رد عقابي على نية أستراليا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وخلال الشهور الماضية استخدم الكيان المحتل كل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية في حرب الإبادة على غزة والتي أسفرت عن ضحايا منذ العدوان في 7 أكتوبر 2023 عن 62819 شهيدًا و158629 مصاباً، وعشرات الآلاف من المفقودين، وتحت الأنقاض، وتدمير شامل لمختلف المنشآت المدنية والصحية، ونفس الشيء في لبنان، بتدمير أكثر من 10 ألاف منشأة،- وفق آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية -، وارتكب الكيان جرائم أخرى في سوريا، واليمن.
وأمام أعين العالم، استخدمت إسرائيل المحتلة، الإعلام والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للتهجير الطوعي لسكان غزة، مرة تحت اسم بعثات تعليمية وبحثية في مختلف القطاعات، ومرة تحت مسمى الأعمال الإنسانية ولم شمل باستخدام مساعدات ودعم لوجستي زعماً بأنها من دول عربية، ومرات تحت لم الشمل ولكن بمقابل مالي من خلال نشطاء ومحامين في الأغلب هم عملاء للكيان المحتل.
قراءة ما تفعله إسرائيل تؤكد أنها تستخدم كل المتاح دون حسابات ولا قلق ولا خوف، من أجل تحقيق ما تزعم أنه حماية لمصالحها، والعالم يشاهد وفي حالة صمت، وعالمنا العربي في موقع المتفرج، .. ويبقى السؤال متى يمكن فعل شيء ولو بسيط، ونستخدم لغة التهديد بمصالح الكيان المحتل السياسية والدبلوماسية والتجارية والخدمية والاقتصادية وغيرها في المنطقة؟، فكثيرا ما لغة مستقبل المصالح تحقق نتائج.
---------------------------
بقلم: محمود الحضري