أصبح تصفّحُ الفضاء الأزرق (فيسبوك)، وكلِّ صور التواصل من تويتر أو انستجرام، وحتى صفحة جوجل أو (الواتس اب) رحلة من العذاب؛ بسبب ما أراه صباح مساء من إبادة جماعية شرسة لقطاع غزة، وسط صمتٍ عالمي ممجوج، وتطبيع عربي مُشين، يجعل المرء يقول بملء فيه: لك الله يا غزة .
والسؤال: كيف سيقف الواحدُ منّا أمام الله، ويجيب عن سؤاله له .. ماذا قدّمت لأهل غزة؟
أين نحن من قول نبينا: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) .
وليت الأمرَ يقف عند عدم الاهتمام، بل وصل فجورُ البعض حدًا بالِغ المدى، لا يمكن السكوت عنه، جراء ما نشاهد من مباركة وتأييد بعض الحكام العرب لمجازر اليهود الجماعية لشعب غزة بأكمله، وعبّروا عن ذلك بحفلات رقصٍ وخمر وعربدة رأيناها رأي العين عبر الشاشات .
إنّ الضمير الإنساني، وخاصة العربي، سيُحاسَب أمام الله على أطفال، أضْحوا أشباحا (جِلد على عظم) من شدة الجوع .
سيُحاسَب على نساء ترمّلت، وأمهات تجرعت غصة ثكل الولد، وشيوخ ماتوا وهم يشتهون شربة ماء، وكِسرة خبز .
إنّ حالنا وحالَ أسلافنا، يجعلني أبكي بحرقة على زمن فات، فأين نحن من نخوة المُعتصم، لمّا صرخت امرأة من رعاياه: وامعتصماه !
أوصلتْ بنا البلادة إلى هذا الحد .. حدّ عدم الشفقة على مسلمين، تّجتثُّ شأفتهم، ونساء تُبقر بطونهن، وأعراضٍ تُغتصَب، وأطفال يوأدون أحياء، وشيوخٍ يتمنون الموت فرارا مما يعانون من ظلم وقهر وتنكيل .
أأمن الذين يغضون الطرف عن معاناة أهل غزة أن تدور عليهم الدائرة، ووالله إنه أمر لا يعجزُ قيُّومَ السموات والأرض، الذي أمره، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون !
أليست لنا في قصة الثيران الثلاثة عبرة ؟
ألا تُحرك فينا مقولة أحد هذه الثيران؛ لما خلا به الأسد: ( إنما أُكلتُ عندما أكل الثورُ الأبيض) ساكنا، وتجعلنا ننتبه لما يحيط بنا من خطر ؟
أليس من الجبن والعار أن نُداهن قتلةَ الأنبياء؟
إنّ من السذاجة أن نحسب أنّ للذين نشروا نبيَّ الله زكريا عليه السَّلام بالمنشار عهدا وميثاقا .
أن نظنَّ أنّ للذين قدَّموا رأس نبيَّ الله يحيى عليه السلام لبغي وعدا .
أيُعقَل أن نأمن أحفاد بني قينقاع الغادرين، وبني النَّضير الماكرين، وأهل خيبر، الذين نقضوا عهودهم، وحنثوا أيمانهم ؟
إنّ من يأمن غدرَ من أشعلوا نار الفتنة بين الأوس والخزرج زمنا طويلا، ولم يحترموا عهدا قطعوه مع رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ساذج، حاله كمن ينشد في الماء جذوة نار !
عارٌ، وأيُّ عار ألا يُحرك فينا دم إخواننا المهراق ساكنا .
خزيٌ ما بعده خزي أن يمرّ مشهد الصهيوني الموتور، الذي صوّب فوهة بندقيته إلى رأس امرأة غزّاوية فأرداها قتيلة مرور الكرام .
إنّ مصمصة الشفايف الغليظة، وذرف الدموع، وحتى عض الأنامل من الغيظ، لا يحل مشكلة، ولا ينصر قضية، بل لابد من صحوة عربية، وصولة كصولة الأسد، تؤكد أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعت له سائرُ الأعضاء بالسهر والحمى .
إن دراسة التاريخ، تؤكد أنّ من يتغطى باليهود عريان، فهم قوم ليس لهم عهد ولا وعد ولا ميثاق !
قراءة تاريخ اليهود الأسود، الملطّخ بدم الأنبياء، تؤكد أنه ستدور الدائرة على المتخاذِل، فليس الهدف قطاع غزة وحده، أو حتى عدة آلاف من البشر، بل الهدف الإسلام كدين، والمسلمون كعِرق .
إنّ موقف جنكيز خان قائد المغول من الذين ناصروه، على حساب إخوانهم ببخارى، فيه العبرة لمن يعتبر، حيث جرّدهم من أسلحتهم، وأطاح برقابهم، بعدما قال كلمته المشهورة: (من غدر بأخيه لا تؤمن جوانبه)، وهو أكبرُ دليل على أنّ نهاية من يُناصِر الصهاينة الندم، ولكنه سيكون في وقت لا ينفع فيه ندم .. فأفيقوا يرحمكم الله .
-----------------------------------
بقلم: صبري الموجي
مدير تحرير الأهرام