فى هذه الأيام الصعبة التى يباد فيها إخواننا و أهلنا فى غزة فى وسط صمت و عجز عربى وإسلامى عجيب و غريب و مخيف، يتجادل الناس -تحت وقع الاجرام الصهيونى و الخيانة العربية و الاسلامية و محدودية تاثير الصرخة الانسانية فى دول العالم عن إيقاف الإبادة- فى سؤال او أسئلة تتعلق بما أقدمت علية المقاومة من ضرب الكيان المحتل فى السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣، و بعض الطيبين و السذج بخلاف العملاء و الخونة يحمل المقاومة مسؤولية ما حدث فى غزة بحجج مليئة بالتناقض، منها أن الإبادة و التدمير هو بسبب فعل المقاومة فى ضرب الكيان المجرم، و ينسى هؤلاء أن دولة الكيان قامت بالعدوان على غزة وشنت ثلاثة حروب قتلت فيها الآلاف من أبناء غزة أكثرهم من الأطفال و النساء و دمرت آلاف المبانى، كما أنها تحاصر القطاع منذ عام ٢٠٠٦ و لا تكف عن قتل و اغتيال و اعتقال من تشاء من أهل غزة و فى القدس و الضفة الغربية، و ازدادت عمليات الاقتحام و الاعتداء على المسجد الأقصى من قبل أعضاء فى حكومة الكيان و قطعان المستوطنين فى وسط عجز عربى و دولى تام .
و تدعو هذه الاراء فى حال القبول بها إلى التسليم بصحة وجهة نظر المنبطحين فى إطار صهيونى حول عدم القدرة على مواجهة الصهاينة فى ظل الحماية و الرعاية الأمريكية والغربية، و هو ما يعنى التسليم بأحقية الاحتلال فى الوجود و العدوان و مخالفة كل القوانين الدولية و قرارات الامم المتحدة، و هو ما يعتبر مخالفة واضحة لكل القيم الإنسانية والدينية و التى لا تقر الاغتصاب و الاحتلال، كما أن الانصياع لذلك المنطق - الذى يكرس حالة العجز عن استرداد الحقوق و ضياعها - هو إهدار لحق الشعب الفلسطينى فى العمل على استرجاع حقوقه و أراضيه المحتلة، و يتجاهل هؤلاء المصدومين - من كثرة أعداد الشهداء والجرحى والمعاقين والحصار والتجويع - أن الكيان المزروع فى وسط بلادنا بالقهر يريد السيطرة على مقدرات الدول العربية و شعوبها، كما أفصح عن ذلك رئيس وزراء الكيان نتانياهو و المطلوب كمجرم فى المحكمة الجنائية الدوليةـ بدعوى أحقية تاريخية مزعومة و لتحقيق خيالات صهيونية فى حين يريد العلمانيون و الاعراب التخلى عن الدين والقيم و الثقافة المشكلة لهوية هذة الامة فى هذه المعركة التى مضى عليها 77 سنة من التشريد و الاحتلال وأن العدو بدعم أمريكى كان يخطط لضربة للمقاومة و اغتيال قادتها لتسريع و إتمام السيطرة الصهيونية على المنطقة - فى إطار اتفاقية ابراهام و التي وقعت عليها عدد من الدول العربية - بدون اعتبار لرأى الشعوب - و هو ما أفسدته ضربة السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣.
ولعل الاعتراف الصهيونى بفشله فى إيقاف التدمير الفعلى لصورة دولة الكيان على المستوى الدولى و اكتشاف شعوب الغرب حقيقة الكذبة التى نشأوا عليها من أن الكيان دولة و لها حق الدفاع عن نفسها هو أفضل مكسب للانسانية التى اكتشفت - بفضل صمود المقاومة و أدائها البطولى مع أهل غزة- حقيقة الصهيونية الإجرامية.
و كنت أتساءل مع كثير من الباحثين كيف يمكن أن يفهم الناس حقيقة الإجرام الصهيونى الحاقد على الإنسانية، و الساعى إلى تسخيرها لخدمة أفاقين مجرمين يدعون أنهم شعب الله المختار فى ظل السيطرة الفعلية للصهاينة على العقول و الإعلام و الحكومات حتى ساهم طوفان الاقصى فى فضح ذلك وكشف الخونة و العاجزين و المجرمين. و من اللافت للنظر أن الصيحة الكبرى فى رفض الإبادة ودعم حق المقاومة يأتى من شعوب ضحك عليها زمنا طويلا فى الغرب و أمريكا و هو ما يعنى أن هذه الشعوب فى مجملها تتمتع ببقايا إنسانية حقيقية تدفعها لكشف ركام الزيف الصهيونى و التواطؤ العالمى ورفضه ، ومن الممكن أن يكون هذا الحراك الذى سيشكل بداية نهاية العلو الصهيونى من أحرار غير محسوبين على الدين و الإسلام إذا تواصلت هذه المحاولات و تصاعدت. و لا أحد يستطيع أن يلوم المقاومة على المبادرة، وخاصة بعد ما كشفت تصريحات قائد الاستخبارات الصهيونى السابق هارون اليفى عن وجود خطة معدة لضرب المقاومة و القضاء عليها قبل السابع من اكتوبر، و لعل نشر هذه التصريحات ما يعزز دقة المعلومات الاستخبارية التى اعتمدت عليها المقاومة فى اتخاذ قرار مهاجمة دولة الاحتلال.
و كان من المفترض أن يكون دعم و إسناد المقاومة فى مشروع التحرر أعظم و أكبر و هو ما لم يحدث بسبب التواطؤ و العجز من الحكومات و الشعوب العربية و الاسلامية، وهو ما يستدعى إعادة النظر فى حقيقة الإسلام و الإيمان و القيم التى يدعيها المسلمون بل وإعادة النظر فى حقيقة وطبيعة الأمن القومى العربى فى ظل نوايا الصهاينة التى تعلن بكل وضوح عن مخطط إسرائيل الكبرى على حساب الدول العربية .
و فى الختام فإن معركة الطوفان بكل تبعاتها هى حجر زاوية فى فعل بشرى يرتب الله بسننه فيها زوال الباطل و نصرة الحق و عقاب الخونة و الجبناء و استبدالهم، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
-----------------------------------
بقلم: د. محمود الشنديدى
استشارى إدارة التراث الثقافى و العالمى
المدير العام السابق لهيئة صندوق إنقاذ اثار النوبة