في ذلك اليوم قبل سبعة أعوام ، وفي ظلام الزنزانة ، استحضرت يوسف الصديق ، فأنا مثله ، مسجونا بلا جريمة ، وقد قُد قميصي من دبر ، ولكن الشاهد لم يكن أمينا .
همست متبسما: " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي مصيبتنا "....
وكان الهواء قد فر من الزنزانة ، وآلام الصدر مبرحة بعد يوم طويل قضيته معصوب العينين ، مقيد الذراعين ، ينقلونني من مكان إلي آخر في سيارة التراحيل الضخمة ، بلا ماء او طعام بل وأخذوا مني الدواء بإعتباره من الممنوعات ..
ضربت بكلتا يدي علي باب الزنزانة وانا أهتف كي يفتحوا الطاقة الصغيرة التي كانوا قد اغلقوها باللحام ، كنت اختنق فعليا ..
في النهاية استلقيت كي اوفر طاقتي ، واستحضرت أيام الجبهة والملاجئ المدفونة تحت الأرض التي كنا نعيش فيها صيفا وشتاء ، ووجدتني أتبسم مرة أخري ، لأن المقارنة لا تصلح ، فشتان بين شاب في عنفوان العشرين ، وشيخ يزحف إلي السبعين ..
ثم .. كأنني سمعت يوسف الصديق الذي كان أيضا في حبس إحتياطي ، يقول في صوت عطوف :" ستمر الأيام العجاف ، ثم يأتي بعد ذلك زمن فيه "يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ " ..
قلت لنفسي متبسما :" ربما كان يوسف في هذه الزنزانة أو في مكان قريب منها" ..
ثم غبت عن الوعي ..
---------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية الأسبق