الأزمة الاخيرة حول تحقيق فيتو عن "جمهورية المستشارين" و قرار وزارة النقل التقدم ببلاغ للنائب العام ضده، ثم العدول عنه، يعيد طرح السؤال عن مفهوم دور الصحافة فى المجتمع. "صاحبة الجلالة" التى يحاول كثيرون أن ينحوها عن عرشها.
ولا أظن أننا علينا أن نفسر الماء بعد الجهد بالماء.. فمصر هى صاحبة أقدم المدارس الصحفية الناطقة بالعربية ووطن أهم الصحفيين وأكثرهم تأثيراً على مر العقود. لكن الأمور تحتاج منا أحيانا أن نعود إلى التعريفات الدقيقة.
الصحافة دورها أن تُخبر، تحقق، تسأل، تبحث وقد تسلي أيضاً وتثقف. والصحفى كما تعلمنا، عليه أن يسأل الأسئلة الخمسة فى أي تحقيق صحفى: ماذا، لماذا، متى ،كيف، وأين.
الصحفى ليس دوره أن ينشر البيانات الصحفية الصادرة من أي مكان مجردة، لكنه عليه أن يحقق هذا البيان ويسأل حوله ويتوثق منه.
الصحفى دوره أن يجمع المعلومات والأرقام يحققها، يحللها ويقدمها للقارىء بمختلف وجهات النظر.
الصحفى دوره أن يكشف الأخطاء والفساد، تماما كما ينير مناطق النجاح والقوة .
الصحفى دوره أن يسأل، ينقد، يحاور وليس دوره أن يكون مجرد موصل لوجهة نظر المسؤول أو المصدر.
وفى المجتمعات الصحية تنتعش الصحافة كوسيلة تساعد صانع القرار على اتخاذ رأي أصوب، تصلح أخطاء لا يراها إلا الناس ولا يرصدها إلا الصحفي، وتقدم مجتمعا سويا يسمع الناس فيه على صفحاتها عن مشاكلهم، وربما يجد المسؤولون حلولا لها.
نسينا العمل الأصيل للصحافة - تحت الضغوط - وكثيرا ما تحولت المهنة إلى نشراتٍ وأخبارٍ مقتضبة وتصريحات "مزينة" كى لا يغضب البعض.. ماذا حدث إذن؟ ملأت السوشيال ميديا الفراغ بكل أخطار ذلك، من أخطاءٍ وشائعات وأكاذيب، فأي مواطن أصبح صحفياً وصاحب مقال، وأصحاب المهنه الحريصونعلى ميثاق أخلاقياتها والتحقق مما ينشر مقيدون.. فامتلأ الفراغ صخباً مزعجاً وفى كثير من الأحيان شديد الخطورة.. فالفكر الجمعي غير المنظم غير المدقق يمكن استثارته بأسهل وأبسط الشائعات.. الفراغ الصحفي يملؤه العبث..
فإذا عاد البعض للمهنة الأصل، أصبحوا مزعجين ويستوجبون المحاسبة باعتبارهم - فى رأى البعض- يرتكبون أخطاء جسيمة، وهم لم يقدموا إلا مافى صلب عملهم - الذى نسيناه.
شكرا فيتو على التحقيق الذى بُذل فيه مجهود واضح ويحمل ملامح الصحافة الأصيلة.. بل هو فى حقيقته لمن يريد ان يقرأه بشكل موضوعي فى صالح الدولة والإقتصاد، وشكرا لكل المواقع التى تعمل بجد وتقدم صحافة حقيقية - وهناك منها عدد لابأس به وإن كان قليلا - أتمنى أن يستمر النهج دون تردد، لكي نفسح المجال لأجيال الصحفيين الشباب أن يعملوا دون قلق، فهذا لصالح المهنة والمجتمع أيضا.. وحسنا فعلت وزارة النقل بالتراجع عن البلاغ للنائب العام .
الكلمة تواجه بالكلمة
وتبقى صاحبة الجلالة على عرشها.
------------------------
بقلم: لميس الحديدي
(المقال نقلا عن صفحة الكاتبة على فيس بوك