20 - 08 - 2025

اللواء طارق الموجي .. والعصا السحرية !

اللواء طارق الموجي .. والعصا السحرية !

لم أُفكرْ مُطلقا في الحديث عنه أثناء وجوده بين ظهرانينا؛ حفاظا علي حساسية مركزه من جهة، وأيضا وهو الأهمّ صونا لكرامتي؛ لكيلا يُظنُّ أنَّ ذلك من قبيل التزلف، أو لغرضٍ دنيوي رخيص، في زمن، صارت فيه النفعية هي المسيطرة والمتحكمة في العلاقات بين البشر، برغم ما يجمعُنا من قربى ورحم .

أما وإنه قد أفضى إلى فيض الكريم، فحريٌ بي - وأنا أسطّرُ مناقبَ من كانت لهم علي قريتنا أياد بيضاء - أنْ أسوق للقارئ بعضا من محاسن ذلك الرجل، التي لا يعرفُها إلا من خالطه أو عامله عن قُرب .

لم يكن عملُ اللواء طارق الموجي - طيب الله ثراه - بجهاز الأمن الوطني، ووصوله فيه إلى أعلى المناصب القيادية خبط عشواء، أو أنّه جاء عن طريق (واسطة) سهّلت له هذا الطريق، وأزالت أمامه العقبات والعراقيل، بل كان مرجعُ ذلك إلى ما حباه الله به من قدرات عقلية، وذكاء خارق، وحسن إنصات، وتفسير منطقي لما يُقال، وهي أمورٌ، كانت تمكنُه من تحليل شخصية المتكلِّم، ومعرفةِ مدى صدقه من كذبه، وحقا صدق القائل: (المرءُ  مخبوءٌ تحت لسانه).

عُرف الفقيدُ بنبوغه العقلي، وهو ما أهلّه للالتحاق بكلية الهندسة، التي كانت وما زالت إحدى كليات القمة، وبعد انتظامه في الدراسة، أغرت نباهتُه خاله، وكان أحد لواءات الشرطة المعروفين آنذاك بنقله إلي كلية الشرطة؛ ليُستفاد من عقليته الفذّة، في مطاردة الخارجين على القانون، ومنع حدوث الجريمة، فأشار على والده بذلك، فاستجاب؛ طمعا  في أن يرى ابنه الوحيد أفضل إنسان في الدنيا، وهي أمنية كلِّ أب، وياليت الأبناءَ يعرفون !

أنهى الطالبُ سنوات دراسته بتفوقٍ، وأشاد الكلُّ بحسن سيره وسلوكه، والسرُّ في ذلك، يرجع إلي نشأته في بيتِ أحد رواد التربية والتعليم، وهو المغفور له بإذن الله الأستاذ الكبير/ سعد الدين الموجي أمين عام جامعة المنوفية سابقا، برعاية أمٍ حسيبةٍ نسيبة، تضرب بجذورها في الشرف والسؤدد، تنتمي لأسرة النحاس باشا - كما أخبرنا آباؤنا - رحمهم الله .

وبعيدا عن حياته العمليّة، التي حاز فيها قصب السبق، وكان حديث القاصي والداني، نطوي هذه الصفحة لنتحدث عن صفاته الخُلقية وهو ما يهمُّ القارئ.

أقول عُرف الفقيدُ ببشاشة وجهه، وحفاوة استقباله لضيوفه، سواء كانوا من عائلته أو من عائلات أخرى، فلم أسمع - رغم كثرة مهامه - أنّه أغلقَ باب بيته أو مكتبه في وجه وافد، أو أنّه أدار وجهه عن صاحب مسألة .

أبدا لم تكنْ في يدِ الرجل عصا سحرية، كما ظنّ الناس، بل كان رغم نفوذه بَشرا، ينجح ويخفق، ولكنَّ ذوي المطالب لا يرحمون، إذ كانوا يتسمون بالرعونة، وكثيرا ما كانوا يكفرون العشير، وينظرون إلي نصف الكوب الفارغ، ينسون المحاسن، ويذكرون الزلّات الخارجة عن إرادة البشر، وهذا ما أثار حوله اللغط، فكان إذا لبى للسائل تسعة مطالب من عشرة، وقف المطلبُ العاشر غٌصة في حلق صاحبه، وانبرى يُشيع بين الناس، على خلاف الحقيقة، كيف تقاعس الرجلُ عن خدمته، وهذا - للأسف - ديدنُ الناس على الدوام، وقليلٌ من عبادي الشكور !

امتاز الرجلُ إلي جانب هذا بسخاءٍ فياض، عرفه كلُّ من نزل عليه ضيفا، إذ سرعان ما تُبسطُ له الفُرش، وتُصفُ من أجله النمارق، ويُقدمُ له أفضلُ الطعام، بل والأعجب أن الفقيد كان يُطعم ضيوفه بيده، ويبادلهم أطراف الحديث كنوع من القِرى، ففي بيته، لا يظنه الزائر نفسَ الشخص الذي تشيبُ بسببه رؤوس العاملين معه، لكنه كان وربي (هو هو)، إلا أنه أصَّل لشعار : ( لكل حدثٍ حديث، ولكل مقامٍ مقال ).

لم تطغَ خلفيةُ الفقيد المهنية علي سلوكياته المُكتسبة لنشأته في بيت واحدٍ من أساطين التربية، فعرف ببشاشة الوجه، ودماثة الخلق، وعدم الثرثرة، إذ كان لا يتكلم إلا فيما يُفيد، أما فضول الكلام، فكان يمقتُه، ويجعل بينه وبين ذلك النوع من الكلام سدا منيعا .

في فترة خدمته بالأمن الوطني، كانت قريتنا في مَنعة من بطش الباطشين، إذ كان الكلُّ يعمل لوجوده ألف حساب، فما نُكل يوما بأحد، أو لحق الظلمُ بمظلوم .

وحتى يبقى له أثرٌ مشهود، ساهم قبيل وفاته في بناء مسجد جامع، تُقام فيه الصلوات المكتوبة، ويُذكرُ فيه اسمُ الله، ولم يبخل علي إنشائه بجهد أو مال، إذ أزاح في طريق إنشائه كل العقبات، وأنفق من ماله لتشييده الكثير والكثير .. رحم الله الفقيد، وأجزل له المثوبة علي ما قدم من خير .
----------------------------------
بقلم: صبري الموجي
ـ مدير تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

اللواء طارق الموجي .. والعصا السحرية !