14 - 10 - 2025

في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية

في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية

إذا كان هناك جديد في المشهد الذي نراه منذ هجوم السابع من أكتوبر عام 2023، الذي استغلته الحكومة الإسرائيلية الأشد تطرفًا في تاريخ الصراع، لشن حرب على وشك أن تدخل العام الثالث ولا تزال مستمرة على قطاع غزة، وتمرير برنامجها التوسعي بضم الضفة الغربية وغزة وتصفية القضية الفلسطينية، فهو التحركات الأوروبية والغربية المتسارعة للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم. من المثير حقًا أن تخرج أصوات فلسطينية وعربية تقلل من مغزى هذه الخطوة، أو تضعها في سياق "المؤامرة" على القضية الفلسطينية، وتصور الأمر كما لو كان مكافأة للسلطة الفلسطينية في رام الله، التي ينالها ما ينالها من هجوم من مؤيدي "حماس"، أو ممن يختزلون المقاومة الفلسطينية للاحتلال ومخططاته في المقاومة المسلحة، وهو الموقف الذي ينتهي غالبًا إلى باعتبار حماس والفصائل المتحالفة معها هي وحدها المعبر عن المقاومة، في حين تتراوح اتهاماتهم للسلطة الفلسطينية ومن يتبنون سبلاً أخرى لإدارة الصراع بالتخاذل في الحد الأدنى للاتهامات، أو بخيانة القضية الفلسطينية في الحد الأقصى. 

لا أعرف بالضبط على ماذا يراهن معسكر الرفض الفلسطيني وداعموه في العالم العربي، خصوصاً في مواجهة السياسات الإسرائيلية المعلنة ضد قطاع غزة والتي تسعى لإعادة احتلال مناطق في القطاع، وتهجير سكانه من هذه المناطق، لتضييق الخناق عليهم تمهيداً لتهجيرهم خارج القطاع، وفرض سيطرة أمنية كاملة على مدنه الرئيسية؟ ولا أعرف لماذا يركز هؤلاء على تصريح بنيامين نتنياهو بخصوص إسرائيل الكبرى، ويتعاملون معه كما لو أنه بات واقعاًـ ويتجاهلون، في الوقت نفسه، انزعاجه من خطوة الاعتراف وهجومه على الحكومات الأوروبية وعلى الأمم المتحدة، ويُصورون هذه التحركات على أنها "مؤامرة" لدعم السلطة الفلسطينية ومواجهة حماس؟ والرهان الوحيد لهذا المعسكر لوقف الحرب هو مفاوضات تجريها حماس منفردة، لم تسفر عن شيء سوى وقف مؤقت للحرب يسمح بتبادل الرهائن مع الأسرى الفلسطينيين، ولا يحمل أي أفق لإنهاء الحرب. لا يريد معسكر الرفض الاعتراف بالتغيرات الجوهرية التي حدثت قبل هجوم السابع من أكتوبر وبعده، والتي لا تعمل في صالح القضية الفلسطينية دون أن يكون لديهم خطط للتحرك المستقبلي.

المصالحة الفلسطينية ونهج التراشق والمزايدات

لقد انحازت حماس بشكل كامل قبل هجوم السابع من أكتوبر لما يعرف بمحور المقاومة الذي تقوده إيران، وشجعها على ذلك انخراط الفصائل التي تنضوي تحت لواء هذا المحور، وعلى رأسها جماعة حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن وبعض الفصائل في العراق، فيما أطلقوا عليه "حرب إسناد" للضغط عسكرياً على إسرائيل لإنهاء حربها في غزة، وأدى هذا الانخراط إلى توسيع رقعة الحرب مع إسرائيل وتصعيدها وصولًا إلى مواجهات عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران، وانتهت هذه المواجهات بتوجيه ضربات لحزب الله انتهت باتفاق مع الحكومة اللبنانية أخرج حزب الله عمليًا من ساحة المواجهة، وهو الأمر الذي عززه خسارته في مواجهة الفصائل السورية المسلحة التي كانت تسعى للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، والتي تمكنت من الزحف إلى دمشق في ديسمبر 2024، ودخول إسرائيل بشكل مباشر في ترتيبات الوضع في سوريا، من خلال توسيع سيطرتها على مناطق في جنوب سوريا وتدخلها في الصراع هناك، وتوجيه ضربات من حين لآخر ضد أي مصادر باقية لتهديدها داخل سوريا. وانتهت المواجهة العسكرية مع إيران والتي استمرت 12 يومًا وتدخلت فيها الولايات المتحدة على خلفية الموقف من البرنامج النووي الإيراني، واستئناف المفاوضات بشأنه. الجبهة التي لا تزال نشطة إلى حد ما هي الجبهة مع الحوثيين في اليمن والتي لم تؤثر بشكل حاسم على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.  

وتتصدر حماس المشهد في التحركات الدبلوماسية لإبرام "صفقة" مع حكومة نتنياهو تنهي الحرب في غزة وتحفظ للحركة دوراً ما في الترتيبات المستقبلية في القطاع، ولم تحرز هذه التحركات الدبلوماسية التي تمضي بوساطة ثلاثية مصرية قطرية وأمريكية، سوى عن اتفاقين لوقف مؤقت لإطلاق النار يسمح بتبادل الأسرى ودخول مشروط للمساعدات لقطاع غزة، ولم يُحرز أي تقدم على هذا الصعيد منذ استئناف الحرب بعد انتهاء مدة اتفاق الهدنة الثاني في يناير الماضي الذي استمر ستة أسابيع. ولا يلوح في الأفق التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح ما تبقى من رهائن بينهم أموات، مع استمرار الحرب في غزة وتصعيدها وإحكام الحصار على سكانها الذين يواجهون مجاعة، تسببت في تزايد الضغوط على حكومة إسرائيل في الداخل والخارج. ويأتي في سياق هذه الضغوط عن التحرك للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، الذي قد يمهد لقبول فلسطين كعضو كامل في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

على الرغم من أن هذا التحرك للاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية، ومنحها عضوية الأمم المتحدة، يدعم حل الدولتين وينزع الشرعية عن السياسات الإسرائيلية المدعومة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي تسعى لفرض حل الدولة الواحدة من خلال الإسرائيلية وترسيخ هذا الحل كأمر واقع من خلال إعادة احتلال قطاع غزة وضم أجزاء من الضفة الغربية والتي تستهدف تهجير الفلسطينيين من القطاع ومن الضفة الغربية، إلا أنه تمت صياغة هذا التحرك على نحو لا يترك خياراً لحركة حماس سوى رفضه. فالاقتراح الذي قدمته فرنسا ويحظى بتأييد دول أوروبية رئيسية من بينها بريطانيا وإسبانيا وهولندا، يتضمن شروطا صارمة موجهة إلى السلطة الفلسطينية في مقدمتها الاستبعاد الكامل لحركة حماس وألا يكون لها أي دور مستقبلي في قطاع غزة والقبول بدولة فلسطينية مستقبلية منزوعة السلاح، وهي شروط ترفضها الحركة لأنها تعني نزع سلاح الحركة. ورغم التعديلات في موقف الحركة في اتجاه قبول حل الدولتين، إلا أنها تصر على دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، إلا أنها ترى أن الاعتراف الأوروبي المشروط لا يلبي تطلعاتها.

وفي حين أن الوصول إلى هذا النقطة جاء استجابة لتزايد المد الدولي الداعم للفلسطينيين والرافض لاستمرار الحرب على غزة ولسياسات الحكومة الإسرائيلية، فإن المعارضة التي يبديها معسكر الرفض بقيادة حماس محكوم بالموقف من السلطة الفلسطينية ومن الحكومات العربية، لاسيما الحكومة المصرية، التي يرى هذا المعسكر أنها لم تبذل ما يكفي من جهد لدعم القضية الفلسطينية، لأنها لا تدخل المساعدات إلى قطاع غزة، والاتهامات التي يوجهها هذا المعسكر للحكومة المصرية قد تفوق أحياناً الاتهامات التي يوجهها لإسرائيل التي تغلق المعابر وتستهدف المساعدات أو تتحكم في دخولها وتوزيعها إن سمحت بدخولها من الأساس. لقد بذلت مصر جهوداً لمنع تصعيد الحرب بما يسمح بنشوء وضع يسهل لإسرائيل تهجير الفلسطينيين من القطاع، لكن هذه الجهود لا ترضي هذا المعسكر على نحو يشير إلى أن المزايدة على مواقف مصر والسلطة الفلسطينية، أهم عندهم من مساعدة الفلسطينيين ووقف الحرب. وعلى الرغم من تأكيد البعض بأن المصالحة الفلسطينية بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية مسألة أساسية لتحسين الوضع الفلسطيني إلا أنهم يحملون السلطة الفلسطينية المسؤولية عن فشل جهود المصالحة، ولا يحملون حماس أي مسؤولية. وبغض النظر عن هذه النقطة، إلا أنه من الواضح صعوبة تجاوز الانقسام بين فتح وحماس، خصوصاً بعد حرب غزة، وفي ظل التراشق وتبادل الاتهامات بين الطرفين.

الاعتراف بدولة فلسطين وحل الدولتين              

كسب الاعتراف الدولي بدولة فلسطِين هدف لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ إعلانِ الاستقلال في جلسة استثنائية للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر في 15 نوفمبر 1988. واعترف العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية بالفعل، وارتفع عدد الدول التي اعترفت بفلسطين كدولة ذات سيادة من 78 دولة في عام 1988، إلى 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بحلول أغسطس 2025، أو ما يزيد قليلاً عن 75٪ من أعضاء الأمم المتحدة. ولم يعترف بدولة فلسطين 51 دولة من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، معظمها دول غربية. ومن هنا تأتي أهمية التحرك الأوروبي للاعتراف الرسمي.

غير أن هذه الخطوة تظل خطوة رمزية إلى حد كبير. فمن ناحية لن يغير هذا الاعتراف، على الأرجح، وضع المراقب غير العضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تحظى به فلسطين، منذ نوفمبر 2012، بسبب معارضة الولايات المتحدة التي تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي منح فلسطين العضوية الكاملة، ومن المستبعد تغير الموقف الأمريكي التي هددت باستخدام الفيتو في مواجهة التحرك الأوروبي، لكن لا يجب التقليل من أهمية هذا التحرك لكسب اعتراف مزيد من الدول، والذي يعكس تحولاً في الموقف الدولي للقضية الفلسطينية. ففي نوفمبر 2012، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين صفة "دولة مراقبة غير عضو" بأغلبية 138 عضواً واعتراض 9 أعضاء، وامتناع 41 عضوًا عن التصويت، لكن رئيس بروتوكول الأمم المتحدة يوتشول يون قرر في 17 ديسمبر من ذلك العام استخدام اسم "دولة فلسطين" في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية. وفي 10 مايو 2024، أيدت 147 دولة عضو قرارا بضم فلسطين بصفتها عضو في الأمم المتحدة والاعتراف بها دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وذلك اعتبارًا من يونيو 2025، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو أثناء التصويت في مجلس الأمن الدولية في 18 أبريل 2024، على توصية للجمعية العامة بمنح فلسطين عضوية كاملة في المنظمة الدولية. ومن شأن اعتراف دول أوروبية غربية بدولة فلسطين أن يعطي ثقلًا لقرار الأمم المتحدة ويمهد لعزل إسرائيل والولايات المتحدة.  

ومع هذا، سيظل هذا التحرك الأوروبي رمزياً لأنه لن يحدث، من ناحية أخرى، فرقا في حياة الفلسطينيين اليومية، ولن يغير السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. لكن لا ينبغي التقليل، من شأن هذا التحرك لعدة أسباب في مقدمتها الدوافع المتشابكة التي أدت إليها، وفي مقدمتها تنامي ضغط الرأي العام الأوروبي الغاضب من صور الدمار في غزة وتجويع شعبها، وازدياد الشعور بعجز المجتمع الدولي عن وضع حد لهذه الحرب التي تصر حكومة نتنياهو على استمرارها وغياب أي أفق لإنهائها نتيجة فشل المجتمع الدولي في فرض وقف لإطلاق النار أو الدفع بمسار سياسي حقيقي، ينهي الحرب كخطوة أولى لحل الصراع. ولهذه الأسباب ذاتها تشعر الحكومة الإسرائيلية بانزعاج شديد، لأن هذا التحرك يُعد "خطوة أساسية" في تحرك الأمم المتحدة والقوى العالمية نحو تحقيق حل الدولتين، وهو ما ترفضه إسرائيل، فضلا عن الأثر الكبير الذي سيتركه على علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي، لا سيما مع أوروبا، وما يعنيه ذلك من تأكل الدعم الدولي لها ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات موجعة عليها. 

تأكل الدعم الدولي إسرائيل

لقد استطاعت إسرائيل اقناع الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر بأنها تواجه تهديداً وجودياً من قبل حماس والفصائل المتحالفة معها ومن جماعات تدعمها إيران التي أعلنت أن هدفها هو القضاء على إسرائيل واستطاعت تصوير هذه الفصائل بأنها جماعات إسلامية متشددة تشكل تهديدا في الوقت الحاضر، وفي المستقبل للدول الأوروبية وللحضارة الغربية. وتمكنت إسرائيل من تحقيق قدر كبير من أهدافها في غزة وضد حزب الله وحشدت العالم ضد الحوثيين في اليمن بسبب صمت الرأي العام في أوروبا والعالم، الذي كان بمثابة تواطؤ شجع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة من المضي قدماً في عدوانها على الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية وضد حزب الله في جنوب لبنان وتوجيه ضربات عسكرية لسوريا. 

لكن بعد مرور أكثر من عام على هذه الحرب، وتزايد اقتناع قطاعات متزايدة من الجمهور في الدول الغربية وداخل إسرائيل ذاتها بأنه لا حل عسكري للوضع في غزة وتحرك مؤسسات دولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة لتوثيق جرائم الحرب الإسرائيلية وإصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار في حكومته وفي الجيش، بدأت الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب تعلو، واضطرت الدولة الأوروبية الغربية أخذ زمام المبادرة في محاولة لوقف حرب الإبادة والتصفية من التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية والدعوة لجلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا الغرض قبل اجتماعات الجمعية العامة في سبتمبر، يُشير إلى تآكل الدعم لإسرائيل، خصوصاً في ضوء الانتقادات الدولية لسلوكها في الحرب وانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي، وتخشى إسرائيل أن يمهد هذا الاعتراف الطريق لصدور قرارات أشد في مجلس الأمن، باتجاه محاسبة إسرائيل دوليا، رغم التلويح الأمريكي باستخدام الفيتو. فالاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين يمنح أي تحرك لعزل إسرائيل أو فرض عقوبات عليها، زخما قانونيا وأخلاقيا، والأهم أن هذا الاعتراف يقوض خطط حكومة نتنياهو لضم الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة، لتقويض أسس حل الدولتين، الأمر الذي يحول هذا الاعتراف إلى أداة ضغط سياسي على إسرائيل لإجبارها على وقف الحرب والدخول في تسوية سياسية. ويضع هذا الاعتراف نتنياهو أمام تحديات متزايدة على الساحة الدولية، والدفع تدريجياً نحو تغييرات ملموسة في خريطة المواقف العالمية إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وبينما تدرس إسرائيل خيارات مختلفة للتعامل مع هذا التحول وتسابق الزمن كي تفرض واقعاً جديداً على الساحة الإقليمية والدولية، مستفيدة من عدم قدرة الدول الأوروبية على التدخل فعلياً بإرسال قوات عسكرية، ومن الدعم الأمريكي وموقف الدول العربية الرئيسية من حماس وإيران، لتفريغ  الاعتراف بالدولة الفلسطينية من أي مضمون عبر خطوات عملية تشمل فرض السيادة الإسرائيلية على كامل أرض فلسطين واستقدام يهود العالم للاستيطان هناك، والعمل على تهجير  الفلسطينيين قسراً أو طواعية، والعمل على تحقيق أغلبية يهودية طويلة الأمد، لضمان السيطرة الكاملة والدائمة على الأرض ومواصلة استفزاز الدولة العربية بإصدار تصريحات من قبيل أن الهدف هو إقامة دولة كبرى تشمل أراضي هذه الدول أو بعضها تحقيقا لنبوءات توراتية. وإثارة مخاوف الغرب ودول أخرى من الفلسطينيين، لكنها لن تنجح في تكرار حملتها الدعائية ضد حماس مع السلطة الفلسطينية.

ثمة عوامل تساعد السلطة الفلسطينية والأطراف العربية والإقليمية والدولية الراغبة في التوصل إلى تسوية لهذا الصراع في الاستفادة من هذه الخطوة الأوروبية بعدم الالتفات إلى المزايدات التي تركز على الشروط الأوروبية بخصوص إصلاح السلطة ونزع السلاح، فهذه المطالب عبر عنها من قبل محمود عباس عندما دعا قبل الانتخابات الفلسطينية في عام 2005، إلى تحويل انتفاضة الأقصى إلى انتفاضة سلمية والتركيز على بناء الدولة وتصعيد الحملة الدولية المعارضة لبناء المستوطنات والداعمة للحقوق الفلسطينية المشروعة وغير القابلة للتنازل. إن الخطوة الأوروبية تعزز الاستحقاق القانوني للدولة الفلسطينية الذي تؤكده قرارات الأمم المتحدة ولم يتبق سوى العمل على تفعيل الاستحقاق السياسي، وهذه المهمة الأولى للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، التي تجعل تغيير الوضع باللجوء إلى القوة المسلحة أمراً في غاية الصعوبة. وتشير نتائج الحرب في عزة إلى أن هذه الحقيقة تنطبق على إسرائيل بقدر ما تنطبق على الفلسطينيين رغم الاحتلال الشديد في موازين القوة العسكرية. هذه حقيقة قد تزعج المتطرفين على الجانبين وقد تزعج أيضًا من ينظرون إلى الصراع من فوهة البندقية فقط. إن استمرار هذا الوضع لا يؤدي إلا إلى دفع القوى الأكثر تطرفاً وتشدداً إلى الصدارة وأخذ زمام المبادرة ويدفع قوى الاستقرار إلى الهامش وهو وضع سيؤدي بالضرورة إلى حريق إقليمي كبير لن يستطيع أحد إطفاءه. فالاعتراف بالدولة الفلسطينية انتصار للرؤية التي استقرت عليها القيادة الفلسطينية في الجزائر عام 1988، ومن شأن دعم هذه الرؤية تطويق اندفاع الأطراف المتصارعة نحو مواقف أشد تطرفاً وتدميراً.
--------------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

تحية للسادات في ذكرى النصر وفي ذكرى الاغتيال