ذكرنا فيما أسلفنا من القول أن العم سُمعة كان رجلًا نشِطًا دؤوبًا، لكن حين اجتمع طبع النشاط إلى خصلة الوقاحة التى كانت فيه، فقد زاد أذاه على صاحبنا، حتى كانت واقعة نقبه بعض مرافقَ البناية فعجّل هذا بالخصومة بينهما، وانتهى الأمر بينهما إلى أن كَفّ الرجل أذاه عن أهل الدار وإن شئت فقل خَفَّف منه.
وعَودًا إلى صاحبى هذا الذى أعرفه مُذْ عهد بعيد، وما علمته إلا كارهًا للظلم مبغضًا أهله، فإنى رأيته بعد هذا الأذى الذى ناله من سُمعة وحماره يتمنى لو أن له قرابة من ذى سلطان فيأوى إلى بطش سلطانه من أذى سُمعة! وأحيانًا كان يتمنى لو كان هو من ذوى السلطان ليأمر بالبطش بهذا المؤذى! وقد حدثنى يومًا متسائلًا: أكان ظُلمًا كُرباج الباشا فى ظهر هؤلاء؟! فلما رآنى قد أنكرت عليه ما سمعته، استرسل قائلًا: إن (الصنف اللى يخاف ما يختشيش) كمثل العم سُمعة لو علقت على جدارك نعل خفير لتهيب أن يمر هو بجانب الجدار، أما لين الكلام وبسط الوجه فيزيده استخفافًا وتهاونًا بالحقوق وأهلها، حتى لو استطاع أن يُؤوى حماره إلى سريرك لفعل! غير أن صاحبى كان إذا خطرت بنفسه تلك الأمنيات، استعاذ بالله من أن يكون جبارًا بطاشًا، فيحمد الله على ما كان، وما صار.
من أجل ذلك أزعم أن أشد ما نال به العم سُمعة من صاحبى لم يكن ما كشطه من جداره، ولا ما ثلمه من مرافقه، بل ما ناله من طبائع صاحبنا وخصاله، وذلك أشد، فقد تبدلت طبائع صاحبى هذا من اللين والتجاوز والسماح إلى شىء من الحذر والتوجس والتجهم إلى الناس؛ مخافة أن يجترأوا ويبسطوا إليه أيديهم بالأذى إن هو بسط إليهم خلقه ووجهه باللين والبِشر، ولقد أخبرنى صاحبى فى بعض حديثنا أنه قد أخذ مبادئ علم الوقاحة عن معلمين اثنين، قلت له ضاحكًا: أتكون الوقاحة علمًا له معلمون؟! فقال: نعم، الجرأة فى طلب الحق والمفاوضة عليه علم تعلمته من معلمين اثنين، أما أحدهما فهو سُمعة، والآخر نتنياهو، فكلاهما يطلب ما ليس له بعين وقاح، فأنا أتعلم من وقاحتهما أن أكون جريئًا فى طلب حقى!
فانظر كيف أفسد سُمعة طبائع اللين والسماحة التى عند صاحبنا حتى صار لا يرى فى أكثر الناس إلا أنهم مؤذون، فتراه يتأهب لهم ويتشمر ويتخذهم عدوًّا مخافة أن يكون فيهم سُمعة أو أحد حميره!
فهذه قصة صاحبى وعم سُمعة، قد قصصتها كما شهدتها عينى، وكما سمعتها أذنى، وإنى ما زلت أتفقد صاحبى هذا الحين بعد الحين، فما زلت أجد حمار سُمعة ينهق نهيقه المُنكر، وما زال سُمعة يصيح ويهرج ويغشى صاحبى بين حين وحين بشىء مما يكره، وما زال صاحبنا يستعين على أمره ببعض الصبر، وببعض الرسل، وبالمثل القائل: "اصبر على جار السَّوّ، يا يرحل، يا تيجى مصيبة تاخده".
------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]