18 - 08 - 2025

الإشارات الخفية.. كيف نقرأ رسائل القدر؟

الإشارات الخفية.. كيف نقرأ رسائل القدر؟

في فيلم "البحث عن السعادة The Pursuit of Happiness"، يروي الطفل لأبيه قصة مفادها، أن رجلاً لا يحسن العوم قفز في البحر، وعندما اقترب منه مركب وسأله قائده، هل تريد أية مساعدة؟ فرد عليه "شكرًا.. سوف ينقذني الله"، فتركه وانصرف، بعد قليل وبينما الرجل يصارع الموج اقترب منه مركب آخر، وللأسف تكرر المشهد السابق، ولم يلبث أن غرق الرجل وانتقل للعالم الآخر، وهناك سأل: "لماذا لم تنقذني يا الله؟"، فجاءه الرد: "لقد أرسلت إليك مركبين أيها الغبي!". 

مشهد قصير لا يتجاوز الثلاثين ثانية يحوي رسالة هامة في كيفية فهم وترجمة إشارات القدر التي نتلقاها في حياتنا. الفيلم بطولة الممثل الأمريكي ويل سميث وابنه جادن، عن قصة حقيقية بطلها كريستوفر جاردنر، الذي كافح طويلاً ليتحول من عاطل إلى رجل أعمال مرموق. 

تذكرت المشهد في سياق حديث قالت فيه السيدة، "عندما أُقدم على اتخاذ قرارٍ مصيري، أسأل الله أن يُرسل لي الإشارات التي تلهمني في أي الطُرق أسير!". 

واللهُ يا سيدتي لا يبخل بإرسال الإشارات، سواء سألناه في صلاة استخارة أو لم نسأل. الإشاراتُ كُثُرْ؛ تأتي في موقف ربما نراه عابرًا، أو في حلم، أو حديث يدور على مقربة منك.. المعضلة؛ كيف نفهم ونفسر؟

فالرجل الذي ألقى بنفسه في الماء بمحض إرادته، في صورة رمزية لما نتخذه من قرارات لم يفهم أن المركبين اللذين جاءا إليه، كانا إشارة من الله.. طوق النجاة الذي طلبه من الله. 

رُويَ أن رجلاً دخل على نبي الله سليمان فزعًا يرتجف، وسأله أن يأمر الريح لتحمله إلى بلاد الهند، فلما استفسر منه عن السبب، أخبره أنه رأى ملك الموت ففزع منه، فكان له ما أراد وحملته الريح إلى الهند، وبعد قليل دخل ملك الموت علي نبي الله متعجبًا، فسأله عن سبب ذلك، فقال له: "أُمرت أن أقبض روح الرجل الذي كان عندك منذ قليل اليوم في الهند، فتعجبت كيف يصل اليوم إلى هناك والمسافة تُقطع في شهور؟"، فتعجب نبي الله بدوره وأخبره بقصة الرجل وأنه أمر الريح فحملته إلى الهند، حيث أراد!.

والشاهد في القصة، سواء أكانت حقيقة أم رمزًا، أن هلاك الرجل جاء فيما ظنه طريق نجاة، قال تعالى "وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ".

في رواية الخيميائي للكاتب البرازيلي باولو كويلو، قال الشيخ للفتى سانتياجو؛ "لكي تصل إلى الكنز، ينبغي لك أن تنتبه إلى الإشارات، لقد كتب الرب، في العالم، لكل منا الطريق التي يجب عليه اتباعها، ومهمتك تقتصر على قراءة ما كُتب لك".

كان الفتى يبحث عن كنز رآه في حلمه. غادر قريته في الأندلس تاركًا أغنامه وشجرة الجميز العتيقة التي ينام تحتها داخل الكنيسة المهجورة، قاصدًا الأهرامات، حيث دُفن الكنز. وفي الرحلة يخبره الشيخ أن كل ما نراه في الكون ليس سوى إشارات يرسلها الله لنا، من يفهمها يعرف الطريق؛ إشارات بلغات ورموز مختلفة؛ ربما تكون في سباحة طير في الفضاء أو سلوك حيوان أو ربما موقف تراه بين أشخاص لا تعرفهم ولا يعرفونك.

تتبع الفتى الإشارات قدر طاقته، وبحسب فهمه لها سار حتى وصل إلى سفح الهرم وأيقن أنه صار على مقربة من كنزه، حتى إذا ما رأى خنفساء تحفر في الرمل اندفع يحفر إلى جوارها في حماسة، وبينما هو منهمك في الحفر، وقد غاص في الرمل حتى جذعه، سمع جلبة إلى جواره فرفع رأسه فوجد فارسين تبدو على ملامحهما الشراسة والقسوة، وكادا يفتكان به، وعندما أخبرهما بقصة الكنز، ضحك أحدهما وخاطبه ساخرًا، "لقد ذكرتني بحلم تكرر عدة ليال عن كنز تحت شجرة جميز في كنيسة مهجورة بالأندلس".

وهنا نهض سانتياجو وألقى نظرة على الأهرامات، فابتسمت له، وابتسم لها، وقفل راجعًا، وقلبه مفعم بالبهجة..

فقد فهم الإشارة ووجد الكنز! بينما جَهِلَ الفارس وضاع الكنز!

وهكذا تتعدد الإشارات الخفية ! ويبقى علينا أن نتعلم كيف نفسرها التفسير الصحيح، فبفهمها قد نهتدي إلى الكنز، وبإغفالها قد نمضي في طريق لا نعرفه!
------------------------------
بقلم: 
د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]


مقالات اخرى للكاتب

الإشارات الخفية.. كيف نقرأ رسائل القدر؟