طوال الأيام الماضية أمسك نفسي عن التعليق علي هذا الغثاء ..
ولكنني وجدت أن الأمر استطال وبدأ ينزلق إلي ما هو أسوأ بتسخين من كل اتجاه ، قد يصل إلي حد اقتحام بعثات وأخذ أعضائها رهائن ..
أولاً : وبلا أي تردد ، لا يجوز قطعاً التعرض للبعثات الدبلوماسية ، التي تؤدي واجباتها دون النظر للصراعات المحيطة ، بل إنها تواصل دورها حتي في حالة الحرب بين البلد الموفدة ، والبلد المستقبلة ، طالما لم تقطع العلاقات الدبلوماسية .
ثانياً : وبالقطع لا يجوز بأي حال من الأحوال التعرض للبعثات المصرية التي تقوم بمهام صعبة في هذه الظروف ، وليس من اللائق التشويش عليها .
ثالثاً: حتي في حالة الإعتراض علي سياسات السلطة الحالية ، فقصاري ما يمكن للمعارض في الخارج أن يقوم به هو أن ينظم تجمعاً وفقاً للقانون ، يعرض مطالبه بشكل حضاري بما في ذلك تقديم وثيقة تحمل مطالبهم إلي السفارة .
رابعاً : من المناسب أن تخصص السفارة أحد الدبلوماسيين ، أو السفير نفسه إذا كان ذلك ممكناً ، لإجراء حوار أو جلسة استماع مع مندوب يسمح بدخوله بعد تأمينه ، وذلك لإمتصاص أي مسيرات غاضبة .
خامساً : مع التسليم بالحصانة القانونية لمبني البعثة ، إلا أن هذه الحصانة ليست مطلقة ، وهي تخضع بلا شك للتقييم الدستوري والقانوني لنطاق هذه الحصانة . وفي أغلب الحالات القانونية تسقط الحصانة في حالة التلبس بإرتكاب جريمة وفقاً لقانون الدولة المستقبلة .
سادسا: أرحو ألا يكون صحيحاً خبر قيام أمن السفارة ، بالسيطرة علي أفراد في الشارع واقتيادهم إلي داخل السفارة ، لأن ذلك فعل مؤثم ولا تحميه الحصانة الشخصية أو حصانة المنشآت، ويمكن أن تعرض البعثة لمشاكل مع الدولة المضيفة لا محل لعرضها الآن .
سابعاً: لا يبدو واضحاً الصلة بين العدوان الوحشي الصهيوني علي غزة ، وبين تلك الأعمال التعرضية ضد السفارات المصرية ، بل أن ذلك يسئ لنضال الشعب الفلسطيني ، من حيث أهمية معركة الصورة التي تكسبها المقاومة كل يوم ، أو من حيث التعاطف الشعبي المصري التلقائي ، خاصة وأن هناك أصابع مشوهة كثيرة سوف تمتد لتمزيق أواصر العلاقات المصرية الفلسطينية المتميزة .
ثامناً: من المهم أن يتروي " الإعلام " في إسباغ الصفات ، وصب مزيد من الزيت علي النار المشتعلة ، فلا يجوز استخدام ألفاظ تصف تصرفات بعض المتهورين أنها "ذكورة" ، (وصف الدكر) ، وتشريس جزء من المصريين في الخارج علي جزء آخر ، فذلك غير أخلاقي وغير قانوني وغير إعلامي .
وربما يكون من المناسب أن تصدر وزارة الخارجية نداء إلي الجاليات المصرية في الخارج ، تلفت فيه النظر إلي دقة وحساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة ، والمخاطر التي تتهدد مصر في الوقت الحالي ، وأهمية أن تتضافر جهود كل المصريين في الخارج للمساهمة في بناء جدار صد يحمي المجتمع المصري ، مع استعداد البعثات للأستماع لكل الإقتراحات البناءة ، من أبنائنا الذين يساهمون مساهمة كبيرة في الدخل القومي المصري .
--------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية الأسبق