18 - 08 - 2025

سِكتنا له.. دخل بحماره (٣)

سِكتنا له.. دخل بحماره (٣)

ولئن كانت الوقاحة من أخلاق الحمير، فالعم سُمعة كان أشد من حماره جرأة ووقاحة فيما ليس له بحق، فإنه كما أسلفت لك كان لا يتورع عن تخريب جدار، أو تقديم حق الحمار على حق الجار، وكان مما شهدت من وقاحته أنه يترك حماره وعربته عند صاحبى هذا فى أقصى شرق الحى، ثم ينصرف مطمئنًا إلى مقيله فى داره بأقصى غرب الحى، ثم إنها لا تزال كذلك عند جدار صاحبنا إلى الليل هى والحمار وعلفه فوقها يأكل بعضه ويلقى بعضه، والحمار مخلوق حى، والمخلوق الحى إذا أكل أخرج، وهذا إذا أخرج كان رجيعه مثل بركة الوحل عند عمود البناء، ومع تكرر ذلك على مدى الأيام فيخشى تلف العمود والإخلال بالبناء، فماذا على سُمعة لو أخذ بهيمته وعربته إلى عند بيته فتقيل وتبيت هناك (ويا دار ما دخلك شر)؟! لكنه لا يفعل! بل قد كان يأبى إلا أن يزيد فوق الوقاحة وقاحة، فكان إذا رجع من داره المغرب أو العشاء جمع ما بقى من علف حماره وما بقى من رجيعه فجعلها كومة واحدة عند ناصية جدار صاحبنا فيتركه إلى صباح الغد، فلما حدثه صاحبى فى ذلك قال له: " وماذا فى الأمر لو تركتها إلى الفجر؟! فالكل يلقى قمامته!" ولو كانت الدار ريفية فى إحدى القرى أو إحدى الضيعات لاغتفرنا له جرأته، ولتجاوزنا له عن وقاحته، ولقلنا كلهم يفعل مثله، لكن البناية كانت حضرية، ليس بينها وبين وسط المدينة إلا دقائق معدودة للسائر الماشى! فمالها وللحمير؟!

بل لقد كان من بليغ وقاحته أنه ذات ليلة وجد سيارة لأحد أهل الدار قد صفها صاحبها بحذاء جدارهم حيث كان يصف سُمعة سيارات ودراجات مَن يأتون الأعراس فى القاعة القريبة التى كان يعمل سايسًا بها فى الليل، فأرسل إلى الكبير والصغير، والرجل والمرأة من أهل الدار؛ ليحولوها من جدار بيتهم إلى موضع آخر؛ ليصُفَّ هو مركبات الغرباء عند جدارهم مكان سيارتهم! فهاهنا اجتمعت الوقاحة إلى الغباوة، فالوقاحة أنه ثقلت عليه سويعات تقفها سيارة أهل الدار عند دارهم، ويتغافل أن أهل الدار قد تركوه يتكسب من مكانهم، ولم يحدثوه فى شىء من ذلك! وأما غباء الحمير الذى تمكن منه فأنه غامر وخاطر بلقمة عيشه، فما يدريه أن أهل داره لو غضبوا عليه لمنعوه موقف حماره، ومصف سياراته سائر العام؟! لكن سُمعة قد خبرهم، فعلم أنهم أهل عفو وصفح وسماحة، وأنهم لا يبادرون إلى شر ولا أذى فجرأه ذلك عليهم، فكان لا يبالى وإن حدثوه وحدثوه! بل إن جرأته بلغت به أنه هَمَّ ذات يوم هو وبعض صحبه أن يُركِّبوا صنبورًا يأخذونه من أنابيب البناية من غير أن يرجعوا فى ذلك إلى أحد؛ لولا أن خرج إليهم بعض أهلها فنهاهم ومنعهم!

غير أن سُمعة على وقاحته وغباوته وعناده وسوء جواره التى كان يأتيها عن رجاء مفرط، أو عن تهاون واستخفاف مفرطين كذلك، فإنه كانت له صفات حسنة لا تنكر، ولا يحسن تغافلها  فالرجل قبل أن يمتهن العربجة كان يمتهن الفلاحة.. (يُتبع)..
-------------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

سِكتنا له.. دخل بحماره (٣)