في السادس والعشرين من يوليو من كل عام تحل ذكرى تأميم قناة السويس، لكنها العام القادم ستكون مختلفة؛ لأننا سنقف أمام اليوبيل الذهبي لقرار التأميم، مرور خمسين عامًا على ذلك اليوم الذي أعلن فيه جمال عبد الناصر إرادة المصريين للعالم كله. القناة ليست مجرد إنجاز تاريخي نحتفى به في كتب التاريخ، لكنها إنجاز حي، شريان مائي نابض يمر فيه جزء كبير من تجارة العالم، يثبت كل يوم أن في مصر رجالًا قادرين على الإدارة وتحقيق الإنجازات.
الاحتفال باليوبيل الذهبي فرصة لإحياء الوعي بقيمة هذا الشريان المائي وأهمية القرار الذي يعد نموذجًا في صناعة القرار السياسي. هو أيضًا دعوة لإحياء روح الانتماء لدى أجيال لم تسمع عن تضحيات العمال والشهداء الذين ارتقت أرواحهم بفعل الأوبئة أو الجوع أو العطش وضربات الشمس، وربما لم يقرأوا يومًا كتابًا أو حتى فقرة في منهج دراسي عن قناة السويس.
من الآن، يجب أن نبدأ الإعداد للاحتفالية، وأن نفكر في عمل فني مسلسل، فيلم أو مسرحية يحكي تاريخ القناة ويظهر حجم التضحيات. لقد تعرضت بعض الأعمال الفنية من قبل لتاريخ القناة، عام 1978 أخرج على بدرخان فيلم "شفيقة ومتولى" تأليف صلاح جاهين وبطولة أحمد زكى وسعاد حسنى، وتناول الفيلم السخرة في الحفر من خلال قصة متولي وشقيقته شفيقة. وهناك فيلم "ناصر 56" الذي تناول قرار التأميم كأحد أعظم القرارات وأكثرها تأثيرًا، وفيلم "بورسعيد" الذي عرض بطولة شعب المدينة في مواجهة العدوان الثلاثي، وفيلم "الباب المفتوح" عن قصة لطيفة الزيات، الذي تناول تاريخ مصر قبل ثورة يوليو وحتى العدوان الثلاثي. كما قدم الكاتب محفوظ عبد الرحمن مسلسل بوابة "الحلواني" الذي تناول معاناة المصريين في الحفر خلال حكم الخديوى إسماعيل. وللاقتراب أكثر من الناس والأطفال، شارك الأراجواز في المعركة بعمل فني للفنان الراحل محمود شكوكو، وسجلت الإذاعة المصرية مسلسلًا من 60 حلقة بعنوان "عمار يا مصر" عن قصة القناة ومراحلها التاريخية، بالإضافة إلى عدد من الأفلام الوثائقية، منها قناة السويس بمناسبة مرور 130 عامًا على افتتاحها.
لكننا نتوقف ونسأل لماذا لا تُعرض هذه الأعمال الآن لإحياء الوعي وترسيخ الانتماء؟ الاحتفال باليوبيل الذهبي بعد 10 أشهر يتطلب العمل من الجميع. نريد بحثًا يسأل تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات عن معرفتهم بالقناة وقرار التأميم، بالتزامن مع دراسة تحليل مضمون للمناهج لمعرفة ما تقدمه عن القناة تاريخًا وواقعًا وأهمية جغرافية واقتصادية.
منذ أيام، كنت في زيارة لمحافظة الإسماعيلية ضمن وفد من جمعية كتاب البيئة وجمعية بيئة بلا حدود، وزرنا متحف قناة السويس بدعوة كريمة من الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس. اصطحبنا المرشد في جولة شرح خلالها محتويات المتحف الذي افتُتح تجريبيًا في 20 مارس الماضي، في ذكرى العاشر من رمضان. القاعات الاثنتا عشرة، التي تضم ألفي قطعة أثرية، كانت مبهرة للأطفال والشباب. الجداريات، والأفلام، والسرد المكتوب والمرئي لتاريخ القناة، أكدت مصرية فكرة القناة وأهمية موقعها وتضحيات المصريين الذين حفروا بأدوات بدائية في ظروف قاسية. في المتحف قاعة خاصة بقرار التأميم تضم وثائق ومقتنيات للرئيس عبد الناصر، وعروض تمثيلية للأحداث المهمة في تاريخ القناة. يستحق المتحف أن يكون قبلة لرحلات المدارس والجامعات ليروا القناة ويتعرفوا على تاريخها.
قناة السويس واقع يقول إن في مصر رجالًا قادرين على إدارة القناة وتحقيق الإنجازات. في أغسطس 2015 تم افتتاح قناة السويس الجديدة لزيادة القدرة الاستيعابية وتسهيل الملاحة، وفى مارس 2021 واجهت القناة حادث جنوح السفينة إيفر جرين القادمة من الصين والمتجهة إلى هولندا، التي عطلت حركة الملاحة. لكن رجال القناة استطاعوا تعويمها بعد ستة أيام فقط، في أزمة كان يتابعها العالم كله.
إنسان قناة السويس، الذي حفر وأمّم ونجح في إدارتها وحفر قناة جديدة أو توسعة جديدة، يستحق أن تُكتب له قصيدة نتغنى بها، مثل قصيدة "إنسان السد العالي" التي جسد فيها عبد الرحمن الأبنودي معاناة العمال في بناء السد وغربتهم وشوقهم للأهل وتحولات المجتمع المصري في الستينيات.
--------------------------
من المشهد الأسبوعية
خمسون عامًا على التأميم… دعوة لإحياء الوعي وتكريم إنسان القناة