16 - 08 - 2025

سِكتنا له.. دخل بحماره (١)

سِكتنا له.. دخل بحماره (١)

أما وقد تحدثنا فأكثرنا القول فى الشأن العام مصريِّه، وعربيِّه، وأمميِّه، وغيرها مما تثقل على القارئ قراءته، وتثقل على الكاتب مؤونته، فقد حدثت قلمى: هل عليك من حرج لو قصصت علينا بعضًا من خفيف القول مما يُستملح فى الأسماع، وتستجم به النفوس، وتتروح به القلوب، وليس يعدم قارئه فائدة مستفادة، أو موعظة نافعة؟!  فقال: إن لنا فى فن المقالة متسع لضروب شتى من القول خفيفه وثقيله، جده وهزله، عامِّه وخاصِّه، فليس على كاتب المقالة من حرج فيما كتب أو ترك، وليس يعيب المقالة أن تجد أو تهزل، ولا أن تخف أو تثقل، فإن أردت ذلك فلنضرب الذكر حينًا من الزمن عن حروب إسرائيل المتصلة، واجتماع ترامب وبوتين، ولندع حينًا حديثنا عن تخوم مصر المضطربة، ووزارة محمد عبد اللطيف المتسلطة، ثم لِنَصِل الذكر وصلًا بعنوان مقالاتنا الذى هو مثل مصرى ذائع "سِكتناله.. دخل بحماره"، وإنه ليس من مصرى إلا وسمع هذا المثل فى موطن من المواطن دلالة على من يتغاضى الناس عنه فيتمادى ويجترئ ويتعدى، أما أنا فأزعم أنى قد رأيت هذا المثل رؤية معاينة، وشهدته شهود مُلابَسة بمعناه ومبناه لا بمجازه وكنايته، فإنه كان لى صاحب حميم، لا يكاد يفارقنى ولا أكاد أفارقه، وكنت أعلم من خاصة أمره مثل الذى يعلم، وكثيرًا ما كنت أغشاه فى داره من الغداة أو العشى أو الليل، وكنت إذا ما أتيته من الظهيرة واستقر بنا المجلس، وائتنسنا وطاب لنا القول إذا نهيق مُنكَر يأتينا من قِبَل الشباك يقتحم علينا حديثنا اقتحامًا، فتصطك له المسامع، وتقشعر منه الجلود، وتشمئز منه القلوب، ويسكتنا عن كل قول حتى يفرغ صاحبنا من الإدلاء بدلوه، ثم نستأنف بعد ذلك ما كان من الحديث والقول (هذا إن ذكرناه أو طابت نفوسنا بِوَصله بعد الذى كان)، فإذا سألتُ صاحبى: ما هذا؟! أجاب خجلانَ: هذه نهقة الظهيرة! فأستحيى أن أسأله: وما نهقة الظهيرة؛ لما أرى من خجله، غير أنى كنت عزمت أنى إذا زرته من الغد أن أُخلف ميقات هذه النهقة لأفوتها أو لتفوتنى هى غير مأسوف عليها، فلما كان الغد أخّرت دخولى عليه، ومَنَّيت نفسى بجلسة طيبة، ومجلس مطمئن لا يزعجنا عنه ناهق ولا صاهل ولا صائل، فإن هى إلا بُرهة وإذا صوت هدَّة عظيمة توشك أن تسقط الجدار فوق رؤوسنا، فترى أهل المجلس جميعًا وقد همُّوا بالوثوب يريدون الفرار! حتى إن الطاعم لفرط شدتها يكاد أن يغص بلقمته، وإن الشارب لفرط فزعه يكاد أن يشرق بشربته، وكان صاحبى هذا إذا ما أتته تلك الهدَّة غشيه ما يغشى القوم من من فزع الفجأة، غير أنه لا يلبث أن يَطمئن فى مجلسه، ويُطمئن روع جليسه قائلًا: أما هذا فميقات هدَّة القيلولة! ثم يمضى مازحًا مستأنفًا حديثه وطعامه وشرابه، فعزمت يومًا ما أن أدع الخجل والحياء، وأن أسأله عن نهقة الظهيرة التى أزعجتنا أمس، وعن هدَّة القيلولة التى روَّعتنا اليوم؟! فأجابنى: هذا هو العم سُمعة.. (يُتبع).
---------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

سِكتنا له.. دخل بحماره (١)