14 - 08 - 2025

الإخوان المسلمون والترتيبات الإقليمية بعد حرب غزة

الإخوان المسلمون والترتيبات الإقليمية بعد حرب غزة

ما وراء الوقفة الاحتجاجية أمام السفارة المصرية في تل أبيب

أثارت المظاهرة التي نظمتها الحركة الإسلامية في إسرائيل، أمام السفارة المصرية في تل أبيب يوم الخميس (31 يوليو)، شبهات فيما يخص الغرض الحقيقي لمنظميها، ذلك أن اختيار الجهة الداعية للمظاهرة، وهي اتحاد أئمة المساجد في الوسط العربي في إسرائيل، أن تكون المظاهرة أمام السفارة المصرية يشي بتحميل مصر وحكومتها المسؤولية عن المجاعة في قطاع غزة، لاسيما أن المظاهرة جاءت في توقيت شهد تنظيم عدة مظاهرات ووقفات احتجاجية أمام مقار السفارات المصرية في عدة عواصم أوروبية، الأمر الذي دفع منتقدي المظاهرات إلى اتهام منظمي هذه المظاهرات بأن من بين أهدافهم إعفاءً إسرائيل من المسؤولية عن الحصار المفروض على القطاع. ولم تغير مشاركة شخصيات مناهضة لإسرائيل، من فلسطيني 1948، مثل الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال الخطيب ، هذه الاتهامات. 

ولا يمكن إنكار مسؤولية إسرائيل والولايات المتحدة الأساسية والمباشرة عن الكارثة الإنسانية في غزة والتي تطورت في سياق حرب الإبادة والتهجير والتجويع التي تشنها إسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر 2023، وهذه حقيقة يعلمها العالم كله، وتعلمها أيضًا قوى في الوسطين اليهودي والعربي داخل إسرائيل، نظمت مؤخرا، مظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو وضد السفارة الأمريكية في تل أبيب احتجاجًا على تشديد الاحتلال الإسرائيلي الخناق والحصار على القطاع، وإصراره على إغلاق معبر رفح من الجانب الفلسطيني للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن والقبول بشروط إسرائيل لوقف الحرب، ومسؤوليته عن الفوضى في القطاع لمنع وصول المساعدات إلى سكان غزة الجائعين، من خلال جماعات مسلحة تسطو على شاحنات المساعدات التي تدخل من المعابر الإسرائيلية.

وبسبب الانتماءات السياسية لمنظمي المظاهرة أمام سفارة مصر، اتهمت وسائل الإعلام المصرية جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء المظاهرة التي نظمت في حماية الشرطة الإسرائيلية للتشهير بمصر ومواقفها. لكن المظاهرة وتوقيتها والملابسات المحيطة بها، تشير إلى أن لمنظميها ومن يقفون وراءهم أهدافًا تتجاوز التشهير بمصر وقيادتها أو إعفاء إسرائيل من المسؤولية، وتتصل برغبة الجماعة في توسيع هامش المناورة السياسية وإيجاد مساحة لها في الترتيبات الإقليمية بعد حرب غزة، خصوصاً إذا ما ربطنا بين هذه المظاهرة وتحركات القيادة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع والمنتمية لهذا التيار. ولا تنفصل سياسات الحكومة المصرية والأردنية ضد الإخوان المسلمين في إطار الصراع على السلطة. وهو أمر لا يمكن فهمه دون فهم السياق العام الذي تتحرك فيه فصائل الإسلام السياسي على تنوعها، والذي تحتل جماعة الإخوان المسلمين مكانًا بارزًا على خريطته، باعتبارها الجماعة الأم التي خرجت من عباءتها جميع الفصائل والجماعات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، وفيما وراءها. ولا تنطلق هذه الحسابات من فراغ وإنما تمتد إلى تاريخ ممتد من العلاقات الخفية والعلنية بين القوى الغربية وبين الإسلاميين.

أسس التقارب

هناك أسس لاعتماد القوى الغربية والولايات المتحدة على جماعة الإخوان المسلمين في تخطيط وتنفيذ سياساتها في المنطقة، فالجماعة التي تأسست في مصر في عام 1928، بعد أعوام قليلة من قرار الجمعية الوطنية الكبرى في تركيا، إلغاء الخلافة الإسلامية في مارس 1924، هي أقدم جماعة في هذا التيار الذي يجعل من العقيدة منطلقًا للعمل السياسي، يتجاوز الرابط الوطنية والقومية، فأسست فروعاً لها في الشام وفي الأردن وفي فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، وأقامت تحالفات مع الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان، الأمر الذي مكنها من بناء هيكل تنظيمي دولي، ووضعها ذلك في قلب الاستراتيجيات الدولية فيما يخص منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتتميز الجماعة بمرونة عالية مكنتها من التواصل وإقامة جسور مع جماعات شيعية والتواصل مع القوى الأوروبية والغربية، وأتاح النهج البراجماتي (العملي) الذي يتبناه قادة الجماعة، هامشاً واسعاً من المناورة السياسية، عززه استعدادها لتبني أشكال عصرية، مثل الأحزاب السياسية، واستعدادها لاعتناق أفكار واستلهام تجارب تنظيمية واردة من فلسفات غير إسلامية، مثل مفهوم الديمقراطية، والوطنية، والقومية. وساعدها ذلك على التكيُّف مع التغيرات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، واستغلال أي حيز متاح للحركة لإعادة تقديم نفسها كفاعل يبدي استعدادا للتجاوب والتعاون مع الأطراف الدولية المؤثرة، كتنظيم وسطي ينتهج أساليباً سلمية وينبذ العنف، وقادر في الوقت نفسه على التعامل مع التنظيمات الإسلامية الأخرى التي تنتهج العنف واحتوائها، كما يساعدها هذه المنهج على إعادة ترتيب أولوياتها وفقاً لتحليلها للتناقضات الرئيسية التي تتعامل معها، بما يتفق مع خطتها لتحقيق أهدافها المرحلية، وصولاً إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو استعادة الخلافة بوصفها إطارا مؤسسيا للوحدة الإسلامية.

والبرجماتية قاعدة أساسية حاكمة للسياسات الغربية، يلخصها ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطاني في عامي 1940 و1945، بمقولته الشهيرة "في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة"، فالمصالح هي المحرك الرئيسي لاتخاذ القرارات، وبناء التحالفات والعلاقات سواء فيما بين الدول أو فيما بين الدول والجماعات المختلفة، على المستويات الوطنية أو دون الوطنية أو العابرة للدول. والتحولات في سوريا المرتبطة بالحرب على غزة والتي أدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد باعتباره حليفا رئيسيا لإيران وركيزة أساسية لسياسات إيران الإقليمية التي تقوم على فكرة تعزيز محور المقاومة من خلال دعم فصائل موالية لها ومناهضة لإسرائيل، مثل جماعة حزب الله في لبنان والعراق والحوثيين في اليمن، لقد كان هذا التحالف داعما لنظام بشار الأسد لأكثر من عشر سنوات في مواجهة انتفاضات شعبية اندلعت في مارس 2011، ثم في مواجهة معارضة مسلحة تقودها فصائل إسلامية سورية وأجنبية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا والمدعومة من تركيا. لكن التعقيدات على الساحة السورية، التي تتفاقم نتيجة لتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية مع مصالح القوى المختلفة داخل سوريا التي يغلب عليها الطائفي والعرقي، والتي قد تبدل من التحالفات والصراعات على الساحتين السورية والإقليمية، تدفع الجماعة إلى المناورة على الساحة الإقليمية والدولية الأوسع، وإرباك حسابات القوى الإقليمية والدولية، ومن هنا كانت فكرة تصعيد الحملة المعادية للنظام في مصر.

أدى تَغّير المعادلة الإقليمية في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد واستيلاء تحالف جبهة النصرة بقيادة أحمد الشرع على السلطة في بدعم إقليمي تقوده تركيا وقطر، والتوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة وروسيا، إلى تحولات في البيئة الإقليمية إلى تحولات في التحالفات الإقليمية على مستوى الدول والجماعات دفعت جماعة الإخوان المسلمين إلى إعادة حساباتها والسعي للارتباط بالقوى الدولية والإقليمية المنخرطة في ترتيب الأوضاع الإقليمية والاستفادة من هذه الأوضاع لتعزيز تواجدها على مسرح الأحداث ذات الصلة بالتطورات في منطقة الشرق الأوسط. وتكشف دراسات حديثة عن جوانب من العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين تعود إلى مطلع الخمسينيات، وكيف كانت الجماعة أداة رئيسية في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية والبريطانية في المنطقة وفي سياسات الحرب الباردة، التي بلغت ذروتها في محاربة الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979، وكيف تقاطعت مصالح تيارات الإسلام السياسي مع المصالح الأمريكية والغربية وتلاقت في كثير من الحالات، والأهم أن مراحل الصدام بين الأهداف الغربية وأهداف هذه التيارات لم تصل إلى مرحلة القطيعة والعداء المطلق، نتيجة للتحولات داخل المشهد المعقد للتنظيمات الإسلامية مع صعود التيارات السلفية الجهادية التي وجهت عنفها المسلح للمصالح الأمريكية والغربية. فقد استطاعت جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من هذه التحولات أن توجد لنفسها مساحة وهامشاً للتفاهم مع المصالح الأمريكية.

التحالف مع الشيطان

في عالم السياسة المصالح تتصالح دائمًا، قد تتقاطع أحيانًا وقد تتعارض وقد تمضي في توازٍ، أما المبادئ والثوابت فيجري تكييفها وفق حسابات يمليها الواقع وتغيراته. فالقوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل، تسعى لتحقيق هدفها وإن اقتضى ذلك التحالف مع الشيطان. وحظيت جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية الأصولية الأخرى باهتمام القوى المنخرطة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي منذ فترة مبكرة تعود إلى السنوات التالية على الحرب العالمية الأولى وفي فترة ما بين الحرب، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، إذ رأت في هذه الجماعات قوة قد تستفيد منها لتحقيق خططها واستراتيجياتها في منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر رصدته العديد من الكتب والدراسات المنشورة، ومن أهمها كتاب روبرت دريفوس، "لعبة الشيطان"، الصادر في عام 2005، والذي يرصد دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي في المنطقة، وكتاب إين جونسون، "مسجد في ميونيخ: النازيون، وكالة الاستخبارات المركزية وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في الغرب"، الصادر عام 2010. ويرصد الكتاب الأول الدور الذي لعبته بريطانيا ثم الولايات المتحدة في دعم صعود جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من تيارات إسلامية متشددة ومتطرفة، مثل حزب التحرير الإسلامي، والارتباطات المبكرة بين الولايات المتحدة وزعماء الإخوان المسلمين أوائل خمسينيات القرن العشرين، وقام بتوثيقها، إذ نشرت في الكتاب صورة من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في واشنطن أواخر صيف عام 1953، للقاء بين الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور وسعيد رمضان، أحد الأقطاب المؤسسين لما يعرف بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وصهر حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكان عمره 27 عامًا، برفقة وفد من الباحثين والشيوخ والناشطين من الهند وسوريا واليمن وشمال أفريقيا. واحتلت التيارات الأصولية موقعًا مهمًا آنذاك في السياسات الأمريكية في حقبة الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفيتي وكذلك في مواجهة حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط المناهضة للسياسات الأمريكية والغربية. 

بينما يشير الكتاب الثاني، "مسجد في ميونيخ" إلى تلاقي مصلحة ألمانيا النازية مع مصلحة المخابرات المركزية الأمريكية في دعم جماعة الإخوان المسلمين على المستوى الدولي وعلى المستوى الوطني والمحلي. وتبرز هذه الدراسات مساحات التفاهم والتوافق بين الدول الغربية والأصولية الإسلامية، وتسلط الضوء على دور بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة في تأسيس الدولة السعودية الثانية بأيديولوجيتها الوهابية في عام 1923، وتأسيس جمهورية باكستان بعد تقسيم شبه القارة الهندية في أعقاب الاستقلال في عام 1947، من خلال مشروع الجماعة الإسلامية بقيادة محمد على جناح أول رئيس لباكستان، وهو المشروع الذي حظي بدعم بريطاني، ثم تعهدته الولايات المتحدة الأمريكية بالرعاية فيما بعد. هذا التوافق ليس مرحلة تاريخية وانتهت لتحل محلها مرحلة العداء بين الدول الغربية والجماعات الإسلامية بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في عام 1989، وانقلاب الجماعات الجهادية التي انخرطت في محاربة القوات السوفيتية في أفغانستان على الولايات المتحدة والقوى الغربية التي وفرت لهذه الجماعات الدعم والرعاية. وعلى الرغم من "الحرب على الإرهاب"، التي أعلنتها الولايات المتحد في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001، التي تورطت فيها جماعات شاركت في الحرب الأفغانية، مثل الجماعات التي استلهمت فكر تنظيم "القاعدة"، برزت أشكال من التعاون بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، ودعمت النموذج التركي في محاولة لاحتواء التيار الأصولي، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، إذا اتجه تفكير مراكز التخطيط الاستراتيجي الأمريكية إلى ضرورة الاعتماد على إشراك مكونات إسلامية لاحتواء التيارات العنيفة التي تتبني "الإرهاب"، وبرزت في سياق تطبيق هذه الأفكار صور للتنسيق والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.

علامات على الطريق

مرت العلاقات بين الولايات المتحدة والتيارات الإسلامية المتشددة بمراحل مختلفة، لكن التحالف الأمريكي-السعودي، كان ركيزة أساسية في كل المراحل تقريباً. وشهدت السبعينات تحولاً مهمًا من خلال توسع قاعدة الشركاء المحليين الداعمين لهذه التيارات في سياق التحالفات السياسية الداخلية أو الإقليمية. ويُلاحظ دريفوس في كتاب "لعبة الشيطان" أن الأصوليين الإسلاميين المتشددين، أصبحوا قوة مهمة بالنسبة للعديد من الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة في العالم العربي، في السبعينات، حيث جرى توظيفهم إما لإقامة تحالفات سياسية مضادة للتيارات القومية واليسارية، على النحو الذي كشفته التحولات في مصر وباكستان والسودان، أو في الصراعات داخل أجهزة السلطة على النحو الذي كشفته التجربة الجزائرية والفلسطينية، أو جرى الاعتماد عليهم لاحتواء البدائل الأكثر تشدداً على النحو الذي كشفته تجربة حركة الإصلاح الصومالية والتي يعتقد المراقبون أنها كانت، في بدايتها، فرع جماعة الإخوان المسلمين في شرق أفريقيا، ثم اقتصرت على الإخوان في الصومال، والتي ظهرت من خلال النشاط الدعوي السري، في عهد محمد سياد بري، الذي أطاحت به المعارضة القبلية المسلحة في عام 1991. 

وتشير بداية التشكيل السياسي لحركة الإصلاح الصومالي إلى صلاتها بالسعودية وبالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، إذ تأسست حركة الإصلاح في الرياض عام 1978، على يد خمسة من شباب الحركة الإسلامية، وانضمت في العام نفسه إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأصبحت ممثلة له في منطقة القرن الأفريقي. وبدأ نشاطهم السياسي مع تدشين المرحلة الانتقالية في الصومال بعد مؤتمر عرتا للمصالحة الصومالية الذي انعقد في جيبوتي في عام 2000، من خلال حركة الإصلاح الإخوانية التي كان لها حضور كبير في المؤتمر، والذي يُعتقد أنه تم بناء على دراسات واقتراحات قام ببلورتها كوادر من المكتب السياسي للحركة، التي كانت جهودها تتركز قبل ذلك في مجال الصحة والتعليم والإغاثة والدعوة وغيرها، واستطاعت تقديم نموذج إسلامي رائد، وبدأ صعودهم من خلال البرلمان، ثم الرئاسة. ولفتت انتباه الولايات المتحدة كقوة قادرة على احتواء حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، وكان صعود الحركة في الصومال وصعود حزب العدالة والتنمية في تركيا تأثير كبير على توجيه السياسة الأمريكية للتعامل مع تحدي الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، والتفكير في الاعتماد على جماعة الإخوان المسلمين في إحداث تغييرات تخفف من حدة الأزمات التي تواجهها الحكومات في المنطقة.

اللافت للنظر في هذا الصدد هو السياسة الإسرائيلية التي عملت على تشجيع التشدد الإسلامي في مواجهة خصومها، لاسيما منظمة التحرير الفلسطينية، حيث عملت على دعم حركة المقاومة الإسلامية حماس المرتبطة بجماعة الإخوان على التواجد في قطاع غزة وفي الضفة الغربية لتحدي سلطة حركة فتح والفصائل الفلسطينية المنضمة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وشجعت أيضا تمرد جماعة الإخوان المسلمين ضد نظام البعث في عهد الرئيس حافظ الأسد في السبعينات. وتشير تقارير ودراسات إسرائيلية وأمريكية إلى أن الإسلاميين في الضفة الغربية والأردن ازدهروا بعد حرب عام 1967 في كل من الضفة وقطاع بتشجيع من الأردن في سياق صراعه مع فتح وقيادة منظمة التحرير في أعقاب المواجهات بين الجيش والفصائل المسلحة في عام 1970 وأيضا بتشجيع من إسرائيل. واستند هذا الدعم إلى تحالف قائم بحكم الأمر الواقع ضد الخصم المشترك المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت المعبر عن الهوية الوطنية الفلسطينية والتي تقود حركة التحرر الوطني الفلسطينية. وبدأت الجماعة توسع نشاطها بين فلسطينيي 1948 بعد الحرب. 

في حين حدثت تحولات حادة في العلاقة بين حماس وإسرائيل، خصوصاً في أعقاب انتفاضة الأقصى في عام 2000، والتي أخذت طابعاً أكثر عنفاً مقارنة بانتفاضة أطفال الحجارة (1987-1993)، استمرت الحركة الإسلامية داخل إسرائيل في النمو، وخاضت انتخابات الكنيست ضمن قوائم عربية مشتركة، إلى أن انسحبت من القائمة العربية المشتركة التي تضم أيضاً الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير، وخاضت الانتخابات منفردة تحت اسم القائمة العربية الموحدة برئاسة الدكتور عباس منصور، الذي أبدى استعداداً للتقارب مع نتنياهو إذا كان ذلك يصب في مصلحة العرب، مثل وقف العنف ووقف هدم البيوت، وزيادة ميزانيات البلديات العربية. ويشير انسحاب الحركة الإسلامية من القائمة العربية المشتركة إثر خلافات بسبب تصويت بعض مكونات المشتركة على قانون يمنع تعذيب المثليين، وتأييد شركة مقرها مدينة الناصرة دعمت منظمة يهودية تمثل المثليين، معتبرة ذلك متناقضًا مع الشريعة الإسلامية. وشجع موافقة القائمة العربية الموحدة التي تمثل الحركة الإسلامية فرع الجنوب، قانون يهودية الدولة الذي اقترحته الأحزاب الصهيونية في الكنيست وعارضه أعضاء الكنيست الدروز والعرب، أحزاب اليمين الديني الإسرائيلية على الترويج لفكرة تقاربها مع القائمة الموحدة على أرضية على الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع.

خريطة التناقضات والتحالفات بعد الحرب

مرة أخرى، تبرز جماعة الإخوان المسلمين وفصائل تيار الإسلام السياسي المتحالفة معها، كلاعب رئيسي على الساحتين الوطنية والإقليمية يسعى للاستفادة من التطورات الإقليمية لتعزيز وجودها من ناحية، وزعزعة خصومها من الحكومات العربية والأحزاب السياسية العربية التي لا تتبنى أجندة إسلامية تقوم على فكرة الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية. لقد لعبت الجماعة دوراً واضحاُ في الخمسينات والستينات في مواجهة الأنظمة البعثية والاشتراكية في الدول العربية من خلال تحالفها مع الأنظمة الرجعية الحليفة للولايات المتحدة والتي تقاطعت مصالحها مع مصالح إسرائيل التي تخوض حرباً ضد هذه الأنظمة وضد الفلسطينيين، وتسعى لإحكام سيطرتها على فلسطين وهيمنتها الإقليمية. وسعت إسرائيل لاستغلال التناقضات فيما بين هذه التيار وخصومها وقدمت أشكالاً من الدعم المباشر وغير المباشر، رغم إدراكها طبيعة العداء بينها وبين هذه الحركات الأصولية، والتي من المتوقع أن تزداد حدتها مع صعود الأحزاب اليمينية والدينية المتشددة في إسرائيل، إلا أن هذا الصعود وما ترتب عليه من احتدام المواجهة أعطى دفعة قوية لتيار الإسلام السياسي، لكن هذه المرة على خلفية المواجهة مع إسرائيل في أعقاب هجوم أكتوبر 2023. ورغم هذا سعت إسرائيل إلى استغلال التناقضات داخل معسكر الإسلام السياسي والتي تتمثل في التناقضات فيما بين جماعة الإخوان المسلمين التي نجحت في الوصول إلى السلطة في أعقاب الانتفاضات في البلدان العربية في عام 2011، من خلال اتباعها نهجاً يقوم على التقارب مع الولايات المتحدة والقوى الغربية من أجل إيجاد حكومات أكثر استقراراً، مستغلة اعتقاداً راسخا يتنامى لدى الإدارة الأمريكية والدوائر الغربية بأن فصائل الإسلام قادرة على تحقيق الاستقرار لأنها تتبنى نهجا يتفق مع المزاج العام في المنطقة الذي يميل إلى التدين، مع إبداء استعدادها للتوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل والدول الغربية لم تستطع الحكومات العربية القائمة التوصل إليها.

لقد كشفت التطورات في سوريا في أعقاب الإطاحة بحكم البعث وهروب الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه وتفكك الجيش السوري عن خريطة جديدة للتناقضات والتحالفات في سوريا وعلى المستوى الإقليمي قائم على حشد التيار الإسلامي الذي يغلب عليه الطابع السلفي السني المناهض لإيران الشيعية وحلفائها الذين دعموا نظام الأسد. وتضع الخريطة الجديدة البازغة للتناقضات والتحالفات، التي تتسم بطابع غير مستقر وسريع التقلب، الأمر الذي سينعكس سلبًا على القضية الفلسطينية، والقوى الفلسطينية المنخرطة في الكفاح ضد السياسات الإسرائيلية. ومن غير المرجح أن يتمكن النظام الجديد في سوريا، الذي يعتمد بقاؤه على دعم قوى خارجية لها مصالح متعارضة، على النحو الذي أظهرته المواجهات الأخيرة في محافظة السويداء. في ظل هذا الوضع تبرز خطورة التشهير بمصر وسياساتها الداعمة للقضية الفلسطينية والتي ترى ضرورة لإنهاء الحرب لوقف النزيف الفلسطيني المتواصل.
----------------------------------
بقلم: 
أشرف راضي

من المشهد الأسبوعية

الإخوان المسلمون والترتيبات الإقليمية بعد حرب غزة

مقالات اخرى للكاتب

الإخوان المسلمون والترتيبات الإقليمية بعد حرب غزة