14 - 08 - 2025

أفراح بني صهيون

أفراح بني صهيون

يبدو أن أحلام وطموحات الصهاينة التوسعية في ظل وجود حكومة النتن المتطرفة لن تتوقف عند حدود غزة والضفة وجنوب لبنان وجنوب سوريا......الخ.  هذا الأسبوع صرح النتن علانية للقناة 24 الإسرائيلية أنه يؤمن بما يسمى (إسرائيل الكبرى) وأن الوقت حان لتحقيق هذا الحلم الصهيوني التلمودي الاستعماري وقال بأن الجيل الصهيوني المؤسس قد أقام الدولة والآن جاء دوره ودور جيله المتطرف الإجرامي في توسيع حدودها التي لن تكتفي بالأراضي الممتدة بين النيل والفرات بل سوف تشمل أراضي أخرى قد تصل إلى قلب الجزيرة العربية واليمن وربما تتعدى تلك الحدود وفق رأي الخبراء الاستراتيجيين. 

في عام 1917 فوجئ العرب بقرارات معاهدة سايكس بيكو التي وقعت بين انجلترا وفرنسا في عام 1916 ولم يكن قادة العرب آنذاك يعرفون عنها شيئاً وكانوا في انتظار أن يفي المستعمر البريطاني بوعوده ويمنح الدول العربية الاستقلال بعد مشاركتهم فيما يسمى بأكذوبة الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك المسلمين. المفارقة أن من كشف مؤامرة سايكس بيكو (التي قسمت العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا ومهدت الطريق لوعد بلفور ومن ثم الانتداب البريطاني على فلسطين حتى تسليمها الصهاينة) هم قادة الثورة الروسية البلشيفية التي أطاحت بحكم القياصرة في عام 1917. ولذلك يرجع الفضل للروس الذين أيقظوا العرب من نومهم (في العسل) ومن أحلامهم بالاستقلال والحرية. 

  من الواضح الآن أن تقسيماً جديدا للمنطقة يجري على قدم وساق يقوم به الكاوبوي الأمريكي بمشاركة الإخطبوط الصهيوني المسيطر على العالم سياسياً واقتصادياً وإعلامياً تحت ذريعة محاربة الإرهاب وإنشاء الشرق الأوسط الجديد. ولذلك تتوالى أفراح بني صهيون وشعورهم باقتراب تحقيق الحلم التوراتي/التلمودي/ الصهيوني منذ بدء تدمير ميليشيات إيران في المنطقة العربية واحتلال جنوب لبنان وإسقاط نظام الأسد في سوريا وضرب القدرات النووية الإيرانية ذاتها والحديث عن ممر داوود الذي يشق الأراضي السورية من الجولان مرورا بالسويداء (معقل الدروز) حتى يصل إلى منابع الفرات وآبار النفط في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد - قوات قسد). من ناحية أخرى ثمة شائعات عن توسط الكيان في حل أزمة سد النهضة بشرط توصيل مياه النيل إلى الكيان عبر سيناء المصرية لتصبح إسرائيل من الدول المشاطئة أي من دول حوض نهر النيل. 

الصهاينة بلا ريب مستعدون لتحقيق هذا الحلم التلمودي مهما كان الثمن. بالأمس أعلن النتن صراحة أن الكيان يمكنه أن يمحو غزة بالكامل بالقنابل الحارقة مثلما فعل الحلفاء في مدينة درسدن الألمانية في نهاية الحرب العالمية الثانية حيث أمطرت مئات القاذفات درسدن التاريخية بالصواريخ والقنابل رغم وجود أسرى من الحلفاء في المدينة مما نتج عنه مقتل أكثر من 130000 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين الأبرياء علما بأن هذه المحرقة لم تحقق أي أهداف استراتيجية أو عسكرية للحلفاء لأنها حدثت بعد هزيمة ألمانيا وانتهاء المعارك الحاسمة في الحرب. ولقد دأب النتن - مجرم الحرب الإرهابي وغيره من عصابة السفاحين الذين يحكمون الكيان حاليا مثل (بن حمير) ورفاقه - كلما خططوا لمجزرة جديدة إلى تذكير دول الغرب ومنهم أمريكا بالمذابح التي ارتكبوها سلفا في فيتنام وأفغانستان والعراق.... الخ. بمعنى القول صراحة (كلنا في الهوى سوى) وكلنا قتلة ومجرمون وسفاحون وإرهابيون -فلا تعطونا دروساً في الأخلاق وحقوق الإنسان والمعاهدات والقوانين الدولية.

 ويبدو أن العهد القادم ربما يكون أكثر همجية إن لم يتدخل العقلاء ويوقفوا هذا التوحش البربري الذي لا يستثني أحدًا من الهولوكوست الدموي والإبادة الجماعية والتجويع الممنهج لسكان غزة الأبرياء.

 دعونا نعود مرة أخرى إلى يوم 7 أكتوبر المشؤوم الذي أشعل شرارة الأحداث المتتالية التي آلت إلى الوضع الكارثي الحالي ونتساءل: لماذا خطط ونفذ السنوار منفرداً هذا الهجوم دون الرجوع إلى قادة حماس في الخارج؟ هل كان ثمة اتفاق بين السنوار وقيادات من الموساد للقيام بهذا الهجوم خاصة وأن السنوار قد قضى سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية وأتقن اللغة العبرية. هل نصب الصهاينة فخاً لحماس وتركوهم يتسللون داخل المستوطنات ويقتلون ويأسرون بضع مئات من الجنود والمدنيين حتى يبرروا ما يحدث الآن من محارق ومذابح ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر؟ قد يرد أحدهم قائلاً: إذا كان السنوار صديقاً للموساد فلماذا قتلوه؟ في الحقيقة سبق لإسرائيل قتل ياسر عرفات بعدما وقع معهم اتفاق أوسلو والصهاينة يسيرون على خطى الأمريكان في هذا الصدد. الأمريكان قتلوا أسامة بن لادن بعدما انتهى دوره وساهم في إسقاط الاتحاد السوفيتي من خلال حرب الاستنزاف في أفغانستان رغم أنهم كانوا يعتبرونه بطلاً ومقاتلاً من أجل الحرية وكانت صوره تتصدر كبرى الصحف والمجلات الأمريكية طوال ثمانينيات القرن الماضي. 

 ربما تكون أحداث 7 أكتوبر 2023 شبيهة بأحداث سبتمبر 2001 حسب قول بعض الخبثاء. (هذا ليس كلامي ولا كلام مدام حلويات الرقاصة).  لقد قامت أمريكا باحتلال أفغانستان وتدمير العراق وتفكيك جيشه ونهب ثرواته وارتكاب أبشع الجرائم في أعقاب الأحداث الإرهابية والاعتداء على أبراج نيويورك رغم أن العراق لم يكن له علاقة بهذه العملية الهوليودية المفبركة (حسب رأي بعض رجال السياسة والمخابرات في دول غربية عديدة) ولذلك تم تدمير العراق بادعاء امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة سوى في خيال الرئيس الأمريكي بوش الابن.  وبالمناسبة فقد ادعى هذا الرئيس أن المسيح الرب قد ظهر له في المنام وطلب منه شن الحرب على أفغانستان والعراق وكذلك ادعى الرئيس الأمريكي الحالي (أبو حنان) أن الرب قد أنقذه من محاولة الاغتيال المضحكة عندما وضعوا على أذنه عصير الطماطم (الكاتش أب) في أعقاب إطلاق رصاصات طائشة لم نسمع بعدها شيئاً عمن أطلق النار. ولكن منذ فترة أرسل سفير أمريكا في الكيان رسالة للأخ (أبو حنان) يذكره فيها أن الرب قد أنقذه من الموت حتى يقف بجانب الصهاينة في حربهم الوجودية ويحقق السلام وينهي الصراعات في العالم وبالطبع يساهم في تهجير الغزاويين وتحويل غزة إلى ريفيرا شرق أوسطية. وبالأمس قال النتن للمذيع في القناة 24 أن لديه مهمة مقدسة وروحانية هي توسيع تخوم الكيان وإقامة (إسرائيل الكبرى).

ثمة أسرار عن المتسبب في حرب غزة سوف يكشف عنها التاريخ لاحقاً. وكذلك سوف يأتي يوم نعلم فيه إن كان (أبو حنان) قد تعرض فعلاً للاغتيال وهل كانت إيران وراء تلك المؤامرة الآثمة أم لا.  في هذا السياق أذكركم بما حدث بعد اغتيال السيناتور الأمريكي روبرت كينيدي في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، وهو الأخ الأصغر للرئيس الأميركي جون كينيدي وكان كينيدي مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1968 وتم اتهام شخص فلسطيني/أردني مسيحي اسمه سرحان بشارة سرحان بقتل كينيدي رغم أن محاميه أكد أنه بريء وأن التهمة تم تلفيقها له.

وكما نسي العالم حادث محاولة اغتيال (أبو حنان) فقد أسدل الستار من قبل عن حادث مماثل (اغتيال روبرت كينيدي) لكنه حقيقي وليس مفبركاً. حتى الآن لم نعرف ما حدث للأخ سرحان بعد اغتيال كينيدي وقيل إنه مازال سجيناً حتى اليوم يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في أحد السجون الأمريكية ذات الخمس نجوم.  لكن منذ فترة تسربت بعض الشائعات (وفق مصادر غربية - وهذا ليس كلامي ولا كلام مغاوري عمدة كفر البلاليص) تدعي أن كينيدي قد قُتل لأنه كان يعارض امتلاك الكيان لأسلحة نووية بعدما ساهمت فرنسا في بناء مفاعل ديمونة الشهير في الخمسينيات. 

في ظل ما يحدث من جرائم يومية في قطاع غزة المدمر وفي ظل اغتيال الصحفيين والأطقم الطبية وتجويع الناس ومنع إدخال المساعدات واتهام وكالة غوث اللاجئين زوراً بمساعدة حماس والحديث علانية عن تهجير الفلسطينيين خارج الضفة وغرة ينتابني شعور بالقرف والاشمئزاز عندما اسمع بعض الساسة يتحدثون بثقة وهبل وعبط عن ضرورة إيقاف حرب الإبادة وإيجاد حل عادل وتدخل سعادة (المجتمع الدولي) ومعالي (مجلس الأمن) والحاجة أم توحه (الأمم المتحدة). 

يا جماعة الخير أفيقوا من هذه الغيبوبة: لا يوجد أساساً شيء اسمه المجتمع الدولي ولا توجد قوانين ولا محكمة جنايات دولية ولا بطيخ. هذه القوانين لم تصنع لتطبق على إسرائيل ولكنها تطبق فقط عل الآخرين حتى روسيا تعاني حاليا من العقوبات وكذلك الدول التي تستورد الغاز والبترول منها وقعت فريسة لعقوبات الكاوبوي وأتباعه.

في النهاية يجب أن يعلم الجميع أن  كل الدول الغربية دون استثناء حتى الدول التي تدعي حاليا بأنها لن تصدر بعض الأسلحة لإسرائيل أو الدول التي تهدد بالموافقة على قيام دولة فلسطينية—كل هذه الدول لن ترضى سوى بانتصار الكيان في صراعاته في المنطقة ولن ترضى سوى بالقضاء على جميع حركات المقاومة سواء داخل فلسطين أو خارجها فلا داعي للغوص في الأوهام وتخيل أن الذئب سوف يدافع عن الأغنام فمن المستحيل أن يكون الكاوبوي وسيطاً نزيهاً في أي مفاوضات بين الكيان ودول أخرى. 

أعلم أن هناك قطاعات عديدة داخل دولة إسرائيل ترفض استمرار حرب الإبادة وتندد بقتل المدنيين وتجويع الأطفال في غزة وتتعاطف مع الضحايا الأبرياء في فلسطين وتعارض سياسات حكومة النتن الإجرامية ولكنها أصوات خافتة وسط تسونامي من التعصب والتطرف والتعطش للدماء. 

 الآن عدنا إلى مجازر ومذابح عصر الإمبراطوريات الوثنية-  إلى عصر يوليوس قيصر ونيرون. في الماضي كان الصهاينة يتذرعون بأنهم يدافعون عن أنفسهم ضد البرابرة العرب حتى لا يعود الهولوكوست مرة أخرى وكانوا كذلك يتذرعون بما أطلقوا عليه ( العداء للست سامية) أقصد ( العداء للسامية) ولكنهم الآن وعلى لسان سفير رعاة البقر في الكيان وغيره من الصهاينة المتطرفين يتباهون باغتيال الصحفيين وطواقم الإغاثة بمنتهى الوقاحة ويرددون الأكاذيب دون حياء أو خشية من أحد ويتحدثون علانية عن نيتهم  مواصلة حرب الإبادة  واحتلال المزيد من الأراضي العربية وفرض الاستسلام بالقوة على الشعوب والحكومات المجاورة وتوسيع دولة الكيان (واحة الديمقراطية في منطقة يعيش فيها الهمج والبرابرة حسب قولهم) -الدولة الصغيرة كما قال (أبو حنان) - الدولة التي ليس لها حدود معترف بها حتى الآن.  يا أيها القوم: (إسرائيل الشقيقة دولة بلا حدود) على خرائط جوجل أو (دولة ذات حدود مفتوحة ليس لها نهاية) أو (دولة حدودها السماء) حسب مزاعمهم.  وافهموا ما شئتم. طابت أوقاتكم.
--------------------------------
بقلم:
 د. صديق جوهر
* أكاديمي وناقد – مقاطعة أونتاريو- كندا 

مقالات اخرى للكاتب

أفراح بني صهيون