15 - 08 - 2025

حين تتوارى الحكمة خلف الأستار

حين تتوارى الحكمة خلف الأستار

ثمة لحظات في حياة الإنسان يصطدم فيها بجدار من الغموض ، فيسأل نفسه : لماذا يحدث كل هذا ؟ لماذا تتساقط الخيبات واحدة تلو الأخرى ، وتأتي المصائب من أبواب لم يطرقها، وكأن الحياة تتآمر على قلبه؟ في تلك اللحظات ، تتزاحم الأسئلة ، ويضيق الصدر ، وتبدو رحمة الله وكأنها بعيدة ، بينما هي في الحقيقة تحيط به من حيث لا يدري .

إن سرّ الأقدار لا يُمنح للعقول المتعجلة ، ولا للقلوب التي لا تعرف الصبر على الغموض. فالمشهد الذي تراه اليوم ناقص ، لا يكتمل إلا إذا رأيته بعين أخرى ، ليست في الوجه بل في القلب ؛ عين ترى ما وراء اللحظة ، وتدرك أن الغرق قد يكون نجاة ، والفقد قد يكون حماية ، والمنع قد يكون عطاءً أوسع مما طمحت إليه .

الحياة لا تكشف لك دائمًا سرّ ما يجري ، فأنت أحيانًا ترى العاصفة وهي تحطم سفينتك ، لكنك لا تعلم أن وراء الأفق حيتانًا كانت ستبتلعك لو واصلت الرحلة . وأحيانًا تفقد أعز الناس إليك، فتمضي حياتك تلعن ذلك اليوم ، دون أن تعرف أنه كان رحيلًا فيه ستر ورحمة بك ، من شرّ لم يكن ليظهر إلا بعد فوات الأوان .

وهناك ما هو أعجب : نعم ، هناك أقدار تمر بك دون أن تشعر بها ، كيدٍ خفية تبعد عنك الخطر قبل أن يقترب ، وتفتح لك بابًا قبل أن تدرك أنك كنت على وشك الضياع .

لكن المشكلة أن الإنسان أسير ما يراه فقط ، فإذا لم تُكشف له الأسباب ، ظنّ أن ما جرى ظلم أو عبث، بينما الحكمة كامنة في عالم الغيب، حيث تُرسم الخيوط بإتقان لا تدركه الأبصار. ومن يصل إلى يقين أن كل ما يأتي من الله خير ، حتى لو لم يفهمه ، يضع قدمه على أول طريق الطمأنينة ؛ الطمأنينة التي تجعل قلبه ثابتًا أمام كل ما يكسر الآخرين ، ولسانه لا يعرف إلا الحمد ، في الرخاء والبلاء على السواء .

فالإيمان الحقيقي ليس أن ترى الحكمة بعينيك ، بل أن تثق بها دون أن تراها.
----------------------------
بقلم: سمير إبراهيم زيّان


مقالات اخرى للكاتب

حين تتوارى الحكمة خلف الأستار