14 - 08 - 2025

عندما تولى صنع الله إبراهيم رئاسة مؤتمر أدباء مصر في بواكير الالتفاف على الثورة

عندما تولى صنع الله إبراهيم رئاسة مؤتمر أدباء مصر في بواكير الالتفاف على الثورة

كان اختيار صنع الله إبراهيم لرئاسة مؤتمر أدباء مصر، في دورته السابعة والعشرين التي عقدت بعد مخاض عسير، في شرم الشيخ من 17 إلى 20 يناير 2013، واحدة من محطات قليلة في مشوار علاقة صاحب رواية "تلك الرائحة" بالسلطة، بحسب ذاكرتي الشخصية. ومع التسليم بأن المحطة الأبرز في هذا السياق هي تلك المرتبطة برفضه المدوي لجائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية عام 2003، إلا أن قبوله بعد عشر سنوات رئاسة مؤتمر تنظمه وزارة الثقافة، ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، بدا وكأنه بمثابة تراجع عن موقفه المعارض لنظام الحكم خصوصا في شقه الثقافي. وقد يقول البعض إن مصر كانت وقت قبول صنع الله إبراهيم رئاسة ذلك المؤتمر، تحت نظام حكم مختلف عن ذلك الذي كان موجودا عام 2003. لكن الحقيقة والتي لم تكن خافية على صنع الله إبراهيم نفسه هي أن الذي تغيّر هو رأس النظام، ممثلا في حسني مبارك. 

كان عنوان تلك الدورة هو "نحو عقد ثقافي جديد" معبرا عن تماشي النظام اضطرارا وإلى حدود محسوبة، مع "الثورة". تلك الثورة التي يعتبر صنع الله إبراهيم من المساهمين البارزين في إشعال فتيلها ببيانه الشجاع خلال الحفل الذي أقيم لتسليمه درع جائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية في دورة العام 2003. ففي تصريح له نشر بتاريخ 15 يناير 2013، أي قبل يومين فقط من افتتاح مؤتمر أدباء مصر، قال صنع اللـه إبراهيم إن ثورة يناير، التي تحل ذكراها الثانية بعد أيام، هي "انتفاضة ثورية لم تكتمل"، وأضاف أنها مع ذلك كسرت حاجز الخوف من السلطة". وقال أيضاً إنه لا داعي للإحباط من تعثر الثورة، ويجب التمسك بأهدافها الأساسية التي خرج من أجلها الشعب في 25 يناير، و"استخدام كل الوسائل ومنها مقاومة السلطة الذي لا يعني بالضرورة إسقاطها". 

فهل كان اختيار صنع الله إبراهيم بالذات لرئاسة الدورة 27 لمؤتمر أدباء مصر، مجرد محاولة جديدة من السلطة نفسها لاستقطابه وتدجينه، بعد ما فشلت المحاولة السابقة التي كان عرابها هو الدكتور جابر عصفور، وكان يشغل وقتها منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وتورَط فيه مثقف يساري بارز هو محمود أمين العالم الذي ترأس اللجنة التي "منحت" إبراهيم الجائزة؟ 

تصريحات صنع الله إبراهيم عشية افتتاح ذلك المؤتمر تؤكد من وجهة نظري أنه كان واعياً بأهمية استمراره شخصيا في الوقوف على يسار السلطة، وهو الأمر الذي يتسق مع مبادئه المعلنة والتي لطالما دفع ثمنها، وحُرم بسببها من ينال ما يستحق من جوائز الدولة التي صور إعلامها للناس أنها تغيرت، وأنها تسعى في ذلك الوقت إلى إبرام عقد جديد للثقافة، واتخذت من ذلك المعنى عنواناً لمؤتمر أدباء مصر في تلك الدورة التي كرمت اسم معارض آخر هو د. عبد الوهاب المسيري، إمعاناً ربما في التمويه. لكن ما جرى في الكواليس، وتسرَّب إلى الصحافة في ذلك الوقت، كشف بالفعل أن مخاض تلك الدورة كان رغم كل شيء، عسيراً للغاية. فلا شك أن تصريحات صنع الله إبراهيم وضعت المنظمين وقيادة محافظة جنوب سيناء في حرج بالغ. 

ففي لقاء نظمته مكتبة "ألف"، ونشرت تغطية له على موقع جريدة "الراي" الكويتية بتاريخ 6 أكتوبر 2012 قال صنع الله إبراهيم مبررا قبوله رئاسة ذلك المؤتمر "الثقافي" الرسمي: "هناك فرق بين الجائزة التي رفضتها في العام 2003، وبين رئاستي لمؤتمر أدباء مصر، فالجائزة كانت مقدمة من حكومة فاسدة ومستبدة، لكن اختياري لرئاسة مؤتمر أدباء مصر في دورته السابعة والعشرين لم يكن من قبل وزارة الثقافة، ولكن من قِبل مجموعة من أدباء الأقاليم يعملون تحت مظلة الثقافة الجماهيرية، ومنذ أكثر من عشرين عاما وهم ينظمون مؤتمراتهم التي راجعتها بالكامل، وراجعت توصياتها، ووجدت أن أول توصية يقدمها المؤتمر في كل عام هي رفضه التام التطبيع مع إسرائيل". 

وأضاف  معبرا عن موقفه مما كان يحدث على الساحة السياسية وقتها: "أؤيد جبهة الانقاذ الوطني، مع تحفظي على بعض الوجوه، الجبهة دي في المرحلة دي ممكن تتسع لكثيرين وأتمني وجود واضح للشباب الثوري، والظاهرة الغالبة أن الثوار الحقيقيين ليسوا في صدارة المشهد وتتصدره أحياناً أحزاب كرتونية تنتمي للعهد القديم". 

هذا اللقاء عقد بعد نحو ثلاثة أشهر من إعلان صنع الله إبراهيم من خلال سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة وقتها، موافقته على رئاسة مؤتمر أدباء مصر بناء على قرار اتخذته الأمانة العامة للمؤتمر برئاسة الشاعر والإعلامي محمود شرف. وعقب ذلك أصدر مكتب وزير الثقافة بياناً صحفياً جاء فيه أن صنع الله إبراهيم "أعرب عن سعادته باختيار أدباء مصر له رئيسا للمؤتمر الذى يمثل تجربة ديمقراطية فى إدارة وتنظيم العمل الثقافى يقوم بها الأدباء وترعاها هيئة قصور الثقافة". 

كان من المقرر أن يعقد المؤتمر من 27 إلى 29 نوفمبر 2012، بحسب ما أعلنه محافظ جنوب سيناء اللواء خالد فودة وقتها، ثم تأجل ليعقد من 10 إلى 12 ديسمبر من العام نفسه، لكنه عُقد فعلا من 17 إلى 20 يناير 2013، ما يؤكد أن مخاضه كان عسيراً لسبب ما، لا أستبعد أن له علاقة باختيار ذلك المشاغب الكبير رئيساً له، وهي رئاسة شرفية على كل حال، فكل ما يتعلق بالمؤتمر تقرره أمانته العامة، التي يشاع أنها جهة غير رسمية، وهو ما ما أبدى صنع الله تفهمه له بدهائه المعتاد، وباستمرائه اللعب مع السلطة طالما أنها هي التي دعته لذلك وتمادت حتى في مدح وطنيته، فيما يعلم الله بما تضمره، ويعلمه أيضاً "الراسخون في معرفة ألاعيبها"، ومنهم بالتأكيد صاحب روايات "اللجنة"، و"بيروت بيروت"، و"ذات". 

فالراحل سعد عبد الرحمن وصف اختيار صنع الله إبراهيم رئيسا للمؤتمر بأنه "يعد فخرا للمؤتمر وللهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو المثقف والمبدع الذى قال "لا" فى وجه السلطة ورفض جائزتها، حينما كانت تسعى لتدجين الأدباء وضمهم إلى الحظيرة"، وأضاف أن "صنع الله إبراهيم هو رجل ذو موقف ثقافى وسياسى منذ شبابه"! وربما  كشف بيان للأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر في تلك الدورة، بتاريخ سبق انعقادها، بعض ما جرى في الكواليس، وقد جاء في مستهله أن هناك اعتراضات حول ما طرحته الأمانة من رؤى؛ أبداها بعضهم "دون دراية أو معرفة منهم بما تقوم به الأمانة من مهام، وما تتحمله من أعباء؛ لإنجاز أعمال المؤتمر على نحو يضمن لهذه الدورة أن تكون استثنائية، ومتميزة، ترسِّخُ لعقد ثقافي جديد، كما أنها تعرضت وتتعرض إلى بعض المعوقات الإدارية، التي لا تساير ما يسعى إليه أعضاء الأمانة من إنجاح الدورة، رغم التأكيد المتواصل على أن أمانة المؤتمر هي وحدها المخوَّل إليها كافة الأعمال، دون أحقيَّة لأحد في الاعتراض على ما تنتهي إليه من قرارات، قوامها الأول والأخير الديموقراطية في أسمى صورها". 

وسبق هذا البيان تصريح نشرته جريدة "الشروق" نقلا عن وكالة رويترز بتاريخ 12 ديسمبر 2012، لصنع الله إبراهيم، قال فيه "إن الدورة التي كان مقررا أن تُعقد الشهر الجاري تأجَّلت؛ احتجاجا على مشروع دستور يهدر مبادئ الحرية والعدل، ويقنن ولاية الفقيه التي تتعارض مع روح الثورة، التي نجحت في خلع الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير 2011". 

وتضمن الخبر أن صنع الله عبَّر عن موقفه هذا في بيان وقّعه أيضاً محمود شرف، الأمين العام للمؤتمر، وجاء فيه أن الاستفتاء على الدستور يأتي في حين "تسيل الدماء من جديد جراء العدوان على المتظاهرين السلميين... ولا يجب أن نغفل اعتراضنا الأكيد على نلك الممارسات الدكتاتورية، التي يمارسها رئيس الدولة"، مشددًا على ضرورة كتابة دستور توافقي "يليق بمصر".

وهكذا يمكن القول باطمئنان، أن صنع الله إبراهيم الذي رحل بجسده اليوم عن 88 عاماً، لم يهادن هذه المرة أيضاً، ومن ثم تأكد للسلطة العميقة في ظل حكم "الإخوان المسلمين" السطحي، مجددا، فشلها في إدخاله حظيرة المثقفين، وهو الأمر الذي لا أدري لماذا لا يذكر، في غمرة التركيز على موقف واحد، وهو رفضه جائزة من "حكومة فاسدة" في 2003.
------------------------------
بقلم: علي عطا