14 - 08 - 2025

الاختراق اليهودى للمسيحية (٢)

الاختراق اليهودى للمسيحية (٢)

قلنا إن الاختراق اليهودى للمسيحية جاء فى الإطار الدينى نتيجة لتفسير الآية ( جئت لأكمل لا لأنقض) . تم تفسيرها تفسيرا حرفيا وكأن ماجاء بالتوراة اليهودية كنص حرفى هو ملزم حرفيا للمسيحي، الشيء الذى أنتج جمع التوراة والإنجيل (العهد الجديد) فكانت تسمية التوراة بالعهد القديم. فما هو المقصود بالتكملة هنا ؟ التكملة المقصودة هى استمرارية وتكامل عقيدة الألوهية، تلك العقيدة التى ربطت بين الله وبين الإنسان ومنذ البداية وقبل مجئ الأديان السماوية وغير السماوية. فكان طبيعيا أن تكون علاقة الله بالانسان علاقة خاصة، ذات منهج طقسى يمارس ممارسة جمعية. وذلك فى إطار قدرة الإنسان الإدراكية والثقافية والفكرية لتلك العلاقة التى بدأت بطريقة بسيطة (يا آدم لا تأكل من هذه الشجرة) ثم تطورت تلك العلاقة وصولا لوجود رسل وأنبياء ثم ديانات ووحى وكتب، وكان هذا فى إطار (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم). هنا يوجد تكملة جمعية بالفعل منذ البداية وحتى النهاية فى اطار عقيدة الألوهية. أما ما يربط المسيحى بالتوراة ليس ارتباطا حرفيا (الحرف يقتل أما الروح فيحيى) ولكن ارتباطا روحيا، وبكل ماجاء بالتوراة، ولا يتناقض حرفيا ومعنويا وعقيديا مع أى نص عقيدى فى العهد الجديد (الإنجيل). مع العلم أن من كتبوا الأناجيل والرسائل كفونا فى هذا المجال، فذكروا كل النصوص القديمة المرتبطة بالعهد الجديد. وهذه النصوص وذلك الربط كان مقصودا به اليهود الذين آمنوا بالمسيحية بعد إيمانهم بيهوديتهم وبكتابهم، وبما جاء من نبوءات تنبئهم بالمسيح. هذا لليهودى، أما المسيحى فهو لم يكن قبلا يهوديا ولا كان يؤمن أو يعرف التوراة ولا سمع عن النبوءات، ولكنه أمن بالمسيحية وبالمسيح. 

هنا هناك امتداد لعقيدة الألوهية، ولكن لكل من اليهودية والمسيحية منهجه ورؤيته ومقاصده. وقد حدد وأوضح السيد المسيح الأمر بوضوح، لا يحتاج إلى جدال فى الموعظة على الجبل تلك الموعظة الذهبية التى وضعت حدودا قاطعة بين منهج القديم ومنهج الجديد. فكان يقول ( يقولون ....وأنا اقول ....) . كما أنه، ماهو الذى يربط المسيحى الآن باليهودى الذى لم يؤمن بالمسيح بل صلبه وعذبه...الخ. مع العلم أن بولس الرسول الذى كان يهوديا لا لبس فيه وكان يفتخر بيهوديته وبسبطه وقد عذب واضطهد المسيحيين شر اضطهاد، وبعد مسيحيته أدرك بولس أن كل ما كان يفتخر به فى السابق مثل: الختان والانتماء إلى سبط بنيامين والالتزام بالناموس والغيرة على تقاليد الآباء هو مجرد (زبالة) مقارنة بمعرفة المسيح وقال (أترك ماهو وراء وأنظر إلى ماهو قدام) .

ولكن (واه من لكن هذه) كان الاختراق منذ البداية من اليهود واليهودية ولصالحهم استغلالا لحكاية التكملة هذه، وتصاعد الاختراق حتى أنه يوجد الآن طوائف تنتسب للمسيحية وهى أقرب كثيرا لليهودية منها للمسيحية مثل (السبتيين وشهود يهوا) ويهوا هو اسم إله اليهود. وللأسف تم هذا الاختراق فى بعض الطقوس الكنسية تصورا أن الكنسية هى امتداد للمعبد وكهنته، فى الوقت الذى قال فيه السيد المسيح ما لايقال عن كهنة ورجال الدين اليهود! وتأثرا بهذا الاختراق تم اضافة ما سمى بتمثيلية القيامة لقداس عيد القيامة. تمثيلية توحى بفتح الأبواب لدخول السيد المسيح (رمزا لمجيئه حسب المعتقد المسيحى والذى لم ياتِ بعد حسب اليهودية) فكان السيناريو: افتحوا الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد (من هو ملك المجد) الرب الجبار القاهر فى الحروب هو ملك المجد . وتعبيرات الجبار والقاهر فى الحروب مأخوذة من نصوص التوراة. فى الوقت الذى يجب أن يعرف فيه ملك المجد بالمحب والمتسامح والعطوف ...الخ.

ولكنه الاختراق ياسيدى. ولكن الأخطر ليس تلك الاختراقات الطقسية فقط، ولكن هى الاختراقات العقيدية من منطلق الإيمان بحرفية النص التوراتي فى عقيدة ما يسمى بالحكم الألفى. وسنكمل أن شاء الله .
------------------------------
بقلم: جمال أسعد


مقالات اخرى للكاتب

الاختراق اليهودى للمسيحية (٢)