15 - 08 - 2025

خالد أبو الليل: حارس الهوية المصرية ومؤرخ الذاكرة الشعبية

خالد أبو الليل: حارس الهوية المصرية ومؤرخ الذاكرة الشعبية

لا تنبع أهمية فوز الأستاذ الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة، بجائزة الدولة للتفوق في مجال الآداب لعام 2025، من الجائزة نفسها فقط، بل من توقيتها أيضًا، في ظل الهجمة الشرسة والمشبوهة التي يتعرض لها منذ توليه منصب نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب.

جائزة مستحقة لحارس من حراس الهوية المصرية، وبطل من أبطالها في زمن العولمة، وانزياح الحدود، وذوبان الثقافات، وما لذلك من أثر سلبي على هوية البلدان وتماسكه.  وهنا يبرز دور أستاذ الأدب الشعبي، الذي يعيد الاعتبار للثقافة الشعبية التي همّشت طويلًا، فهي ليست مجرد مرويات للترفيه، بل خطابًا معرفيًا متكاملًا، ومرآةً للمجتمع، وذاكرةً لجماعاته المهمشة.

ويعد أبو الليل واحدًا من  أبرز وأنجب الأسماء التي أدت – وما زالت – هذا الدور الخطير، وحائط الصد ضد ضياع الهوية المصرية، باحثٍ مصري يمتلك من الوعي والمعرفة ما تحتاج إليه مصر للتأكيد على هويتها، وصونها من الضياع والذوبان في ثقافات استهلاكية لا تمتلك العمق الحضاري الموجود في الوعي الثقافي الشعبي.

ولد أبو الليل في 11 يونيو 1971، ودرس اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وعيين معيدًا بقسم اللغة العربية، في تخصص الأدب الشعبي، تحت إشراف  الراحل الأستاذ الدكتور أحمد مرسي. وقد ربط نفسه بالميدان إلى جانب المكتبة، فكانت مصادره من الحكاّئين ورواة السير والناس العاديين، جنبًا إلى جنب مع المصادر المكتوبة.

حصل على درجة الماجستير برسالة ميدانية عن الحكاية الشعبية في الفيوم، عام 2003، ثم أتبعها بأطروحة دكتوراه فريدة عن «السيرة الهلالية في محافظة قنا: الراوي والرواية»، عام 2008، ونالت مرتبة الشرف الأولى مع توصية بطبعها على نفقة الجامعة، وصدرت لاحقًا في كتابه المرجعي «السيرة الهلالية: دراسة للراوي والرواية»، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

لا يمكن تصنيف أبو الليل ضمن الأكاديميين النمطيين، بل هو من قلة جمعت بين العمق النظري والدأب الميداني. فقد قاد فرقًا بحثية كبرى لجمع وتوثيق السيرة الهلالية في صعيد مصر، وأشرف على مشروعات مديدة للتوثيق الثقافي الشفاهي في الريف والمناطق المهمشة، امتدت لسنوات في محافظات الفيوم، قنا، وسوهاج.

ولم تقتصر جهوده على السيرة الهلالية، بل انشغل بمفهوم «التاريخ الشعبي» في مقابل التاريخ الرسمي، فأصدر كتابًا بالغ الأهمية بعنوان«التاريخ الشعبي لمصر في فترة الحكم الناصري: رؤية جديدة من وجهة نظر المهمشين» ضمن مشروع وثائقي ضخم للتاريخ الشفاهي فاز عنه بجائزة الدولة التشجيعية عام 2017م في العلوم الاجتماعية.

اهتم أبو الليل أيضًا بتحليل صورة المرأة في الموروث الشعبي، وأعاد طرحها من زاوية إنسانية وثقافية، لا من منظور أيديولوجي فقط. في كتابه «المرأة والحدوتة»، قدم دراسة مبتكرة عن الإبداع الحكائي الشعبي للنساء، محللًا كيف تحولت المرأة الشعبية من متلقٍ إلى راوٍ ومنتجٍ للمعنى، في مواجهة مجتمع قمعي ومتسلط.

على مدى أكثر من عشرين عامًا، شارك أبو الليل في عشرات المؤتمرات العلمية الدولية، وقدم أوراقًا بحثية في النرويج، المغرب، ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، كندا، والولايات المتحدة، حول موضوعات تتقاطع فيها الذاكرة، الحكاية، الهوية، والسلطة الرمزية.

كما أصدر ما يزيد عن عشرين كتابًا علميًا، منها:

  • المرأة والحدوتة: دراسة في الإبداع الحكائي الشعبي للمرأة، دار العين للنشر، 2008.
  • السيرة الهلالية: دراسة للراوي والرواية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011.
  • صورة اليهودي في الأدب الشعبي العربي، المجلس الأعلى للثقافة، 2011.
  • روايات السيرة الهلالية في قنا، في جزأين (1250 صفحة)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012.
  • موسوعة حواديت مصرية – الجزء الأول: "حواديت من الفيوم"، دار الثقافة العربية، 2012.
  • الإبداع الشعبي والمرأة المصرية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الدراسات الشعبية، 2014.
  • التاريخ الشعبي لمصر في فترة الحكم الناصري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015.
  • تقديم ودراسة لرواية "صباحية"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015.
  • النخبة والعامة: الموقف من الأدب الشعبي في العصر الحديث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2020.
  • الحوار بين الشرق والغرب في ضوء الثقافة الشعبية، إصدارات معهد الشارقة للتراث، 2023.
  • الأدب الشعبي الإفريقي: دراسات مقارنة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2023.
  • الشعر الشعبي العربي، إصدارات معهد الشارقة للتراث، 2025.

وذلك بخلاف أبحاثه العلمية ومقالاته المنشورة في مجلات محكمة محلية ودولية، التي تثير قضايا شديدة الأهمية، من بينها مسألة كتابة العامية، والتي توصّل فيها إلى آليات دقيقة لكتابتها تضمن تجاوز إشكالات اختلاف اللهجات وضبط نطقها.

لا يتعامل أبو الليل مع الأدب الشعبي كمادة أرشيفية، وإنما يعتبره شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية والحفاظ على الهوية. ومن هذا المنطلق، انشغل بتحليل النكتة، والأمثال، والسخرية، والموروث الشعبي الشفاهي، بوصفها مفاتيح لفهم البنية الاجتماعية والنفسية للمصريين، خاصة بعد ثورة 2011.

ما يميز خالد أبو الليل أنه ليس أستاذًا جامعيًا يتمترس خلف قاعات الدرس، ولا عالمًا يعمل في برج عاجي بعيد عن الناس، بل هو دائم التفاعل مع المجتمع، داخل الجامعة وخارجها، من خلال محاضراته، وندواته، ومؤتمراته. ولم يغفل عن الجمهور العام، فكتب في الصحف والمجلات الثقافية مثل: "الأهرام، أخبار الأدب، الثقافة الجديدة، الهلال"، محافظًا على لغة تتوازن بين العمق والبساطة.

خالد أبو الليل هو ذاكرة حية للمجتمع المصري الشعبي، وحارس من حراس هويته، وكادر ثقافي وإداري بالغ الأهمية، تقدم تجربته البحثية والإنسانية نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه المثقف الحقيقي، المسكون بتاريخ ناسه، والملتحم بوجدانهم، والحامل لسردياتهم الهامشية إلى مركز الوعي الوطني.
------------------------------
كتب - عبدالكريم الحجراوي