كتب الكاتب اليساري لطفي الخولي مسرحية " القضية " عندما كان مسجوناً في الستينات ، ويقال أنه كتبها علي ورق البفرة الخاص بلف السجائر ( لست مندهشاً ، لأنني كتبت علي أشياء مشابهة أثناء استضافتي في ليمان طره ).
وفي أحد المشاهد العبقرية في تلك المسرحية ، قال أحد أبطالها ( الفنان احمد الجزايرلي) ، جملة صارت فيما بعد جزءا من الفلكلور الشعبي وهي " أفتح الشباك والا أقفل الشباك " . فهو إذا فتحه حكم عليه القاضي بالعقاب ، وإذا أغلقه يتعرض أيضاً للعقاب .
تذكرت ذلك حين قرأت ما قاله رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني من إن الرئيس أكد خلال لقائه مع قيادات الإعلام والصحافة على أهمية استيعاب المعارضة الوطنية طالما أن هذه المعارضة تؤمن بأن الدولة المصرية ومؤسساتها تمثل خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه.
وتقديري أن ذلك قد يكون بداية لها ما بعدها ، وإن كنت لا أظن أن مصطلح " استيعاب " المعارضة مناسب ، إلا إذا كان له تفسير آخر غير تفسيره اللغوي المباشر بمعني " الإحتواء " والتدجين .
أما إذا كان المطلوب هو زيادة المساحة المتاحة للأصوات الأخري ، فذلك أمر جيد نشجعه ونطالب بأقصي درجات الإتساع والسماح ، وهو ما يحقق بالضرورة فوائد جمة للسلطة حين يصبح لها مائدة واسعة عليها عدد كبير من الخيارات ، والملاحظات الجادة البنيوية .
ومن ناحية أخري لابد أن أضيف أنني لم افهم تحديداً ، ما الذي يعنيه السيد المسلماني :" بأن الدولة ومؤسساتها تمثل خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه " ، فهذا يبدو مصادرة علي المطلوب ، وتقييدا علي مقيد ، في عبارة تحمل كل درجات التأويل ، التي قد تحبس أصحاب الرأي ، وتفرغ مبادرة الرئيس من محتواها ، علماً بأن ما ورد في تصريح السيد المسلماني -إذا صح نسبته إليه ـ يعد انتهاكاً للدستور المصري الذي يكفل الحريات ويضمن حرية الرأي .
فإذا كان مفهوماً أن " الحرية " ليست مجرد حق مطلق ، وإنما هي مسؤولية أيضاً ، يتولي القانون تحديد ما يعد تجاوزاً أو خروجاً ، بحيث يخضع المنح والمنع لنصوص قاطعة محددة ، وليس مجرد اتهام علي المشاع بخطوط حمراء تشبه ألغاماً مخفية تحت الأرض لإصطياد من يتحرك بالفعل أو القول بشكل لا يرضي دائرة ما من ضمن دوائر السلطة .
وهو ما يثير في النهاية تساؤلا أخيرا عمن في هذه الحالة هو المسؤول عن رسم الخطوط الحمراء ؟..
أيها السادة ، بكل إحترام نسأل سؤال " القضية " الشهير: " نفتح الشباك ، واللا نقفل الشباك ؟".
----------------------------
بقلم: معصوم مرزوق