يعلم الله مساحة آلام النفس والبدن ، ومع ذلك ما زالت لدي المقدرة علي الإمساك بالقلم ، ومعانقة الأحداث .
منذ بداية الحرب في غزة ، كتبت وقلت في أكثر من لقاء تليفزيوني ، أنني أحمد الله ، فقد تحققت النظرية التي اعتنقتها لأكثر من أربعين عاما :
" تكسب إسرائيل في توازن الردع ، وتخسر في توازن الرعب " .
نتيجة للتسليح الحديث الذي توفره أمريكا لإسرائيل ، يستطيع الجيش الإسرائيلي إحراز نتائج جيدة في أي معركة ضد جيش نظامي ، فهو يملك افضل المقاتلات ، وأكثر المدرعات تدريعا وقدرة علي المناورة ، فضلا عن انواع قاتلة من الذخائر بعضها محرم الإستخدام دوليا .
لذا فأنه في مواجهة جيش مثل ذلك ، يكون إستخدام أساليب حرب العصابات هو الانجع ، والذي يمكنه إحداث خسائر مؤلمة في صفوف الجيش النظامي ، وهو ما بينته في دراستي عن نظرية " توازن الرعب " ، ودللت علي ذلك بالمعارك التي خاضتها فيتنام ضد كل من فرنسا وأمريكا ، وانتصرت في الحرب ، ولو كان ذلك بأثمان فادحة في صفوف المجتمع المدني.
توازن الرعب هو آداة الجيوش الفقيرة في مواجهة جيوش الأغنياء ، فالفقير يستطيع دائما الإختباء في مكان غير متوقع كي يقذف السيارة المدرعة للغني ولو بحجر ، ثم يختفي ..
الجيوش تتحرك كأفيال ضخمة عمياء ، بينما يتقافز حولها المقاومون في حرب العصابات بخفة الذئاب الجائعة ينهشون من كل جانب ، بحيث تتحول تلك الفيلة في النهاية إلي أبدان خائرة هائجة .
شيئ من ذلك يحدث الآن في غزة .
وهذا هو ما فعلته غزة في الضمير العالمي .. من يلوم السابع من أكتوبر لا يعرف أهمية المقاومة لمن يعاني من الظلم والقهر .
رغم كل عذابنا أمام مشاهد المذابح التي يرتكبها السفاحون الصهاينة ، فأن فقه التاريخ يعلمنا أن كل الشعوب التي قدمت الشهداء علي طريق الحرية مثل الجزائر وفييتنام ومصر ...وصلت إلي لحظة الإنتصار ، مهما طال الطريق .
حتي في آخر الدنيا ، استراليا ، تنتصر المقاومة الفلسطينية ، وشعب غزة البطل المحاصر ، ومثلما انكسر النازي أمام المقاومة الباسلة لشعب مدينة ستالينجراد ، سوف ينكسر الصهيوني المتعجرف .. أنه لم يفقد فقط معركة الصورة علي أهميتها ، وإنما فقد أحد أهم أسباب وجوده ، لقد فقد توازن الردع ، ولم يبق أمامه سوي توازن الرعب الذي يخسره بمقتل كل جندي من عصابته ، وبتدمير كل آليه ، وبإنتشار حالات الإنتحار واليأس بين صفوفه .
وإلي المحبطين في صفوف المتخاذلين ، أقول لهم :" لا نطالبكم أن يكون لكم ثقة وإيمان شعب استراليا ، وشعوب أغلب العالم الآن .. نطالبكم فقط أن تصمتوا ..أن تواروا عاركم بالصمت .. فقد وصم التاريخ أمثالكم وأشباهكم ، ولسوف تنتصر فلسطين ، وما خريف 2027 ببعيد ".
لا زالت بين الأصابع المرتجفة فسيلة ، وسوف نغرسها ، وسوف تكون في مستقبل قريب غابات من أشجار الزيتون علي كل تلال ووديان فلسطين الحبيبة .
--------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق