اعتمد الاختراق اليهودى للمسيحية منذ البداية على أرضية سياسية بصورة أو بأخرى أكثر منها الصورة الدينية، أى تم استغلال الدينى لصالح السياسى. وكانت البداية هى جمع كتاب العهد القديم مع الانجيل كتاب العهد الجديد. فهناك تصور خاطئ عززته وغذته المؤسسة الدينية منذ البداية أن الانجيل يعنى كتابى العهد القديم والعهد الجديد ومنذ عهد الرسل. وكان ذلك اعتمادا لتفسيرات بعض الايات الانجيلية مثل قول السيد المسيح (جئت لأكمل لا لأنقض)، كما أن العهد القديم قد جاء به تلك النبوءات التى تنبأت بمجيء المسيح. إضافة إلى معلومات تاريخية وهى أن المسيح كان يهوديا وأنه جاء لبشارة اليهود أساسا. بداية فقول (جئت لأكمل لا لأنقض) هذه لا تعنى أن التكملة تكملة حرفية لنصوص العهد القديم. ولكن تعنى تكملة عقيدة الألوهية (الإله الواحد المحب) حيث أن الله لم يظهر حبه لليهود فى شريعتهم، ولكن كانت التكملة الحقيقية فى المسيحية هى إظهار الله لمحبته البشر كل البشر دون استثناء. فالتكملة هذه ليست حرفية وليست تكملة الناموس الموسوى القديم.
نعم كان السيد المسيح يهوديا، وجاء من أجل بشارتهم، ولكنه وهذا هو الأهم لم يقبلوه ورفضوه وصلبوه حسب المعتقد المسيحي، ولا زالوا يرفضونه لأنهم ينتظرون المسيح الذى سيأتى على حسب شريعتهم اليهودية ذلك المسيح الذى سيحكم العالم حكما دنيويا كملك جبار قاهر فى الحروب، أى أن مسيحهم المنتظر حتى الآن غير المسيح الذى يحكم كل من آمن به حكما روحيا لأن المسيح ليس جبارا ولا قاهرا فى الحروب، بل هو محب كل الحب للجميع حتى لأعدائه هو الوديع المتسامح. (مملكتي ليست من هذا العالم)، (جئت إلى خاصتى وخاصتى لم تقبلنى).
أما نبوءات العهد القديم التى تنبأت بمجئ المسيح، فهذه نبوءات لليهود تمهيدا لإيمانهم بالمسيح القادم الذي لا يزالون ينتظرونه!! أى أن العهد القديم كتاب اليهود الذين يؤمنون به يتنبأ لهم بمجئ المسيح حتى يؤمنوا به عند مجيئه. نعم يؤمن المسيحي بتلك النبوءات فى إطار النص، حيث أنه عند مجئ المتنبأ به تبطل النبوة وتصبح القيمة الحقيقية فى المجئ وليس النبوة. مع العلم أن المسيحيين لم يكونوا يهودا قبل مسيحيتهم ولم يكن العهد القديم كتابهم ولم يؤمنوا بالمسيح بسبب تلك النبوءات. ولكنهم آمنوا بالمسيحية دون يهودية ودون معرفة النبوءات. المسيحيون فى مصر مثلا كانوا يؤمنون بالديانة المصرية القديمة. جاء مرقص مبشرا، فآمن المصريون بالمسيحية دون إيمانهم بالعهد القديم ونبوءاته.
ولكن القضية هنا، هى هذا الخلط الذى كان مقصودا سياسيا وتم هذا عام ١٤٥٥م عند اختراع الطباعة ودمج العهد القديم مع الجديد! مع العلم أن هذا غير ذاك، فالقدبم شريعة موسوية لها ظروفها وطبيعتها وتوجهاتها غير العهد الجديد بطبيعته المحبة فى قبول الآخر. فهل تتوافق طبيعة العهدين فى الوقت الذى نرى نصا توراتيا يقول (إذا دخلتم قرية اقتلوا رجالها ونساءها وأطفالها وبقرها وجاموسها وأحرقوها ...الخ) فى مقابل مثل هذا النص الذهبى فى الموعظة على الجبل (أحبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا الى مبغضبكم صلوا لأجل الذين بسيئون إليكم ويطردونكم). فما هى علاقة اليهود الذين يعتبرون المسيح (مزورا والعذراء ....) بالمسيحية حتى يتم دمج كتابهم بالكتاب المقدس؟ إنها المؤامرة السياسية التى دائما وأبدا تستغل الديني لصالح السياسي حتى تطورت الأمور إلى استغلال هذا وظهور مايسمى بالصهيونية المسيحية التى استغلتها الدوائر السياسية الأمريكية واليهودية الصهيونية للسيطرة على الفكر المسيحى لصالح تلك الصهيونية المسيحية المزعومة. (ويتبع إن شاء الله).
-------------------------------------
بقلم: جمال أسعد