المقاومة اللبنانية ليست بأفضل حال من شقيقتها الفلسطينية، يكاد الموقف الاستراتيجي لها، يتطابق مع ما يحدث للفصائل الفلسطينية الصامدة أمام أعتى أسلحة الولايات المتحدة وأوروبا.. المهمة الصهيو\أمريكية، القضاء المبرم على المقاومة، بالسلاح والسياسة.
أما السلاح، فلا حاجة إلى بيان أعماله، ومشاهد القتل والتدمير وتهجير السكان، لا توحى مطلقا أن تسوية سياسية، ولو أقل من عادلة،، مطروحة على جدول أعمال الحلف الأجرامي الذي يمارس أبشع أنواع الإبادة الجماعية.
إلى الآن تحاول حماس، الصمود أمام الحلف، وحدها دون نصير ولا ظهير، بلا طعام، أو دواء،يقاومون بالإرادة وروح الاستقلال الوطني، في بيئة محلية موالية وداعمة للفصائل الفلسطينية المسلحة، تدعم حماس ورفقاءها في السلاح، من أبناء الشعب الفلسطيني، في رفض الركوع أمام البربرية والهمجية والجبروت، رغم القتل اليومي في غزة وتقتيل الأطفال بحرمانهم من الرضاعة والحليب، والتدمير الهائل، في ظل مجاعة، ربما لم يشهدها التاريخ الإنساني من قبل.
ربما تذهب حماس ضحية إنعدام المؤن والذخائر والجوع وحرق الأرض، إلا أن حزب الله في لبنان، لن يذهب (إذا ذهب لا قدر الله) بمثل ما أذهب حماس، إنما بسبب البيئة المحلية المعادية له والمتربصة به، لأسباب متنوعة، منها ما هو ديني، ومنها ما يتعلق بامتلاك الحزب، للسلاح الذي لا يمتلكه أحد من الطوائف والقوى الأخرى، إلى جانب الخصومة الشديدة مع حزب الكتائب (سمير جعجع) الذي شارك في مذبحة صبرا وشاتيلا العام 1981، والذي يرى في حزب الله خطرا أكبر من خطر إسرائيل .
يعيش حزب الله داخل بيئة محلية معادية، تتناقض مصالحها مع وجوده، وقد وافقت، القوى والتيارات السياسية على"ورقة" أمريكية، جاء بها توماس براك، سفير الولايات المتحدة لدى تركيا ومبعوثها الخاص لسوريا، إلى بيروت لأول مرة في 19 يونيو الماضي حاملاً "خريطة طريق" أمريكية، تضمنّت مطالب واضحة بنزع سلاح حزب الله والفصائل المسلحة كافة في لبنان بشكل كامل قبل نهاية 2025
النخب الحاكمة والنافذة في بيروت، وافقت، وثوقا في التعهدات الأمريكية بانسحاب اسرائيل من الجنوب ووقف اعتداءات الجيش، حتى توافق على شروط تل أبيب التي قدمها بارك للبنان، وإضافة لذلك، سيفتح تنفيذ نزع سلاح حزب الله باب الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار مناطق في لبنان دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وهو دعم تقول واشنطن إنها لن تقدمه في ظلّ احتفاظ حزب الله بالسلاح.
واشترطت واشنطن أيضاً إصدار الحكومة اللبنانية قراراً بالإجماع يلتزم بنزع السلاح كمكوّن أساسي في أي اتفاق نهائي.. لكن الدولة اللبنانية اشترطت وقتها عدم نزع سلاح حزب الله، قبل ضمان الانسحاب الكامل ووقف النار، إلا أن إسرائيل عارضت أي ربط مسبق بين التزامها بالإنسحاب وقيام حزب الله بخطوات نزع سلاحه أولا، ما دفع واشنطن إلى الضغط لتليين الموقف اللبناني الداخلي.
في أواخر يوليو المنصرم، أبلغ بارك اللبنانيين أن المنطقة تتحرك بسرعة فائقة، وسيتم تركهم خلفها إذا لم يستجيبوا للمطلب الإسرائيلي.
أمام هذه الضغوط المتصاعدة، استشعرت القيادة اللبنانية الخطر.. فعدم الاستجابة للشروط الأمريكية، قد يعني تصعيداً إسرائيلياً كبيراً، ربما يصل إلى استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، لذا سارع رئيس الحكومة نواف سلام، إلى الدعوة لجلسة طارئة لمجلس الوزراء في أغسطس الجاري 2025، لوضع جدول زمني لتنفيذ نزع سلاح حزب الله وتسليمه للجيش اللبناني قليل العدد، والأقل تسليحا، ليصب بذلك زيتا على النار، وينذر بمواجهة بين الاثنين، وبدلا من التصدي لهجمات اسرائيل وحدها، يتعين على الحزب مواجهة طرف مسلح داخلي مدعوم من اسرائيل وامريكا.
لقد سبق وأن كانت أمريكا الراعي الرسمي لاتفاق وقف إطلاق النار المؤقت بين لبنان وإسرائيل في نوفمبر 2024، إلا أن النار لم تقف يوما واحدا، بسبب قصف الطائرات الإسرائيلية، والغارات اليومية واغتيال رجال حزب الله.. ورغم النكوص الأمريكي، بل وتاريخ واشنطن "الأسود" مع العرب، في ملف التعهدات والضمانات السياسية، تراهن النخبة الحاكمة في بيروت على الوعود الأمريكية، وتقبل التضحية بالمقاومة، وتقامر بمستقبلها السياسي، على"الكارت" الأمريكي ، متوهمة إنه ورقة "الجوكر" التي تضمن المكسب.. إلا أن الورقة تبدو وكأنها صورة البنت، أو "الدام" في أوراق اللعب السياسي.
قد يكون سلاح المقاومة في لبنان، بلا سند، بينما يبدو في فلسطين بلا سلاح، إنما بسند.. وبين الاثنين تدور دورة حياة المقاومة العربية، في انتظار الدولة المركزية التي ترى في إسرائيل العقبة الكؤود التي تحول دون النهضة.
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم