12 - 08 - 2025

سر اهتمام الإعلام الإسرائيلي بتصريح اللواء مجاور

سر اهتمام الإعلام الإسرائيلي بتصريح اللواء مجاور

لا يمكن التقليل من أهمية تصريح اللواء أركان حرب الدكتور خالد مجاور محافظ شمال سيناء على المستوى السياسي والعسكري الإسرائيليين. هم يعرفون أهميته وخبراته العسكرية جيدا رغم أن منصب "المحافظ" في الإدارات المحلية المصرية يكاد يكون منصباً هامشيا لا تتعدى مسؤولياته حدود المحافظة التي يدير شؤونها المحلية. 

عرفت في عملي الصحفي محافظين كثراً وارتبطت في عملي ببعضهم مثل عبدالمنصف حزين محافظ قنا، ومحافظ بني سويف الذي كان يتولاها أثناء أزمة الأمن المركزي في ولاية أحمد رشدي لوزارة الداخلية وكان يسألني عما يجري، وقد كنت بالصدفة في مكتبه عندما انفجرت الأوضاع ونزل الجيش إلى الشارع.

لكن مجاور محافظ مختلف. "جنرال" احترف السياسة. يعرف سيناء شبرا شبرا، كونه كان قائدا للجيش الثاني الميداني. السياسة تشكل عقل رجل المخابرات، وقد كان مديراً لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ثم رئيسا لهيئة الاستخبارات العسكرية. والملحق العسكري في واشنطن وهو منصب مهم جداً سياسيا وعسكريا لوجوده في سفارة مصر لدى الدولة التي تحكم العالم.

وتولى أيضا منصب مساعد وزير الدفاع للشؤون الخارجية.

وشمال سيناء بعاصمتها العريش، المجاورة للحدود الفلسطينية المشتعلة في القطاع (يحرمني الفيسبوك من كتابة اسم مدينة القطاع حتى ولو مقطعاً في حروفه بعد أن بدأ في استخدم عمنا الشات جي بي تي في اكتشاف تلاعبنا لتمرير ما نكتبه)، ليست محافظة عادية.

من هنا اهتم الإعلام الإسرائيلي بتصريحه الذي لم يزد عن عدة ثوانٍ واعتبره تهديدا بالحرب.

قال اللواء مجاور موجهاً كلامه لإسرائيل محذرا من الاقتراب من الحدود المصرية  "مصر جاهزة للحرب إن فرضت عليها"، قائلا بلهجة حاسمة: "أي شخص في العالم يفكر فقط أن يقترب من الحدود المصرية، سيكون الرد المصري مفاجئا للعالم كله".

وأضاف في مقطع فيديو متداول "الكلام ده مش عاطفي، أنا 41 سنة خدمة قوات مسلحة، وكنت قائد الجيش الثاني الميداني، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية المصرية لمدة 3 سنوات ونصف".

لماذا اهتم الإعلام الإسرائيلي بهذا التصريح الذي اعتبره الأقوى منذ توقيع اتفاقية السلام، من جنرال مصري يتولى مسؤولية محافظة ترتبط ارتباطا وثيقاً بأمن مصر القومي؟..

الإجابة إنها ليست "فردة صدر" من اللواء مجاور، وهذا  التعبير هو صاحبه، وإنما حالة ضرورية لابد منها في مواجهة خطة نتنياهو الاحتلال الكامل للقطاع.

ما وراء القطاع هو سيناء. لا يمكن إغفال أنها ستظل مطمعا للمتطرفين في إسرائيل الذين يجدون كل الدعم لخططهم التوسعية من ترامب.

ترامب وهو يتمشى ويرقص فوق سطح البيت الأبيض، في حالة وصفتها الجارديان البريطانية، بالاضطراب العقلي، هرب فورا إلى الداخل في تجاهل واضح عندما سألته صحفية عن خطط نتتياهو للسيطرة على غزة.

وفي مكان آخر عندما سأله صحفي آخر، هرب من الإجابة بأنه لا يعرف هذا الاقتراح، ثم راح يتحدث عن ملايين الدولارات التي تتفقها واشنطن بمساعدة إسرائيل لإنقاذ أهل القطاع من المجاعة.

الرئيس الأمريكي يعتقد أن مساحة إسرائيل صغيرة. ولذلك يرى ضرورة لتوسعها. التوسع لا يعني ضم القطاع والضفة الغربية فقط، بل الذهاب إلى جنوب سوريا وجنوب لبنان. هنا لا يمكن إستثناء شمال سيناء من تلك الخطط.

سيقلل البعض من أهمية "تهديد" مجاور بسبب أن مصر وقعت اتفاقية بحوالي 35 مليار دولار لزيادة استيراد الغاز الإسرائيلي خلال السنوات القادمة لتلبية احتياجاتها المحلية، 76% من الكهرباء تأتي من الغاز.

الأمر ليس بهذه الخفة. هناك اتفاقيات اقتصادية مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقية السلام، والإخلال بها يعرض القاهرة للغرامات الباهظة. عندما أوقفت مصر في عام 2011 تصدير الغاز لإسرائيل، غرمتها المحكمة الاقتصادية الدولية 1.8 مليار دولار. ثم غرمتها ملياري دولار لصالح شركة غاز إسبانية. تم التوافق فيما بعد مع الطرفين نظير تسييل الغاز في محطات مصرية وتصديره لأوروبا.

مثلما تشكل هذه الاتفاقيات ضغطا على مصر كما حصل أثناء حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران عندما أوقف تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر، فإنها ستشكل ضغطا كبيرا على إسرائيل في حالة الحرب بينهما، والحرب مستبعدة تماما وخيار غير مرغوب فيه من الطرفين ولن يتورطا فيه. الغاز الإسرائيلي المصدر إلى أوروبا يجري تسييله في مصر وتصديره إلى الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية معه، فإسرائيل لا تملك محطات لتسييل الغاز، فتكلفتها باهظة، على عكس مصر، التي لديها المزيد منها في ادكو ودمياط، ولديها وفرة من الموانئ التي يتم التصدير منها.

هنا استطيع الوصول إلى الهدف.. وهو أن الحرب بين مصر وإسرائيل ممنوعة دولياً، ومن باب أولى أمريكياً، فهناك تكلفة اقتصادية هائلة على دول الاتحاد الأوروبي التي تفرض حظرا على الغاز الروسي بسبب غزو أوكرانيا.. وتجد في موانئ مصر ومحطات الإسالة فيها، وفي خطوط الأنابيب التي تتقل الغاز الإسرائيلي إليها بديلا أرخص ومتاحا وأسهل.

إنك تمنع الحرب والدخول إلى حدودك عندما تملك قوة الردع وتهدد بها، وهذا ما يمكن فهمه من تصريح اللواء مجاور. وعندما تكون لديك أدوات ضغط تثقل العالم مثل قناة السويس وموضوع الغاز واتفاقياته مع إسرائيل ومع الاتحادالأوروبي.

أكتب هذا بنفس مراقب وقارئ للخريطة الجيوسياسية والاقتصادية وتداعياتها، ولو قرأتها بنفس الإعلامي الراحل أحمد سعيد لقلت: يا أهلا بالمعارك!
------------------------------
بقلم: فراج إسماعيل
(نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك)

مقالات اخرى للكاتب

سر اهتمام الإعلام الإسرائيلي بتصريح اللواء مجاور