وقَّعَت وزارتا النقل والأوقاف تعاونًا جعلتا شعاره "صحح مفاهيمك - سلامتك تهمنا"، وذلك للاستعانة بوزارة الأوقاف فى تصحيح أخلاق مرتادى الطرق ومستخدمى وسائل النقل؛ لتقليل الخسارة فى الأنفس والأموال على الطرقات، ومن عجب أنى لم أعلم بهذا التعاون إلا حين أذاعته بعض المنشورات للتهكم والسخرية! لكنى وقد اعتدت أن أعقل الأمور قبل الحكم عليها، وأن أزنها قبل أن أقضى فيها برأى، فقد ذهبت أبحث وأحقق، فأفضى بى البحث والتحقق إلى صفحة مجلس الوزراء فتثبت من الخبر، وقد سرَّنى ما قرأت، فهو من التعاون على البر والتقوى المأمور بهما، ثم إنى قد رأيت أنهم فى تعاونهم هذا إنما يعملون بما كنت أدعو إليه وأوصى به من قبل وهو أن إصلاح أعمال الناس وأخلاقهم لا يكون إلا بإصلاح "السوفت وير"، وهذا لا يصلحه إلا التعليم والتثقيف فى المسجد، وعلى الأرصفة، وفى المدارس، وعلى الشاشات، وحيثما صادفت سمعًا أو بصرًا، فنعم التعاون هو!
أعلم أن ناسًا كثرًا سيردون على الفريق كامل الوزير بأن أصلح طرقك أولًا، وأَنِر مصابيحها، وأصلح قطاراتك.. إلخ، لكن وهل يحول عمل دون عمل؟! وهل يمنع هذا من ذاك؟! بل إن صدق قول هؤلاء فى خراب الطرق فهذا أدعى للتشدد فى التزام آداب الطريق، والأخذ بأخلاق القيادة؛ لئلا نجمع على أنفسنا البلائين؛ بلاء الطريق وبلاء السائق! فكيف وجميعنا يعلم سوء مسلك الناس سواء السائقين والركبان والمشاة، ونعلم أننا جميعًا على الطرق "بعافية حبتين"؟! وهل أدل على ذلك من كثرة الدم المسفوح على الطرقات، وفوق السكك الحديد، وكثرة الأموال المتلفة فى المواصلات العامة ومرافقها؟! فلعل قائلًا أن يقول شددوا القوانين، وغلظوا العقوبات، لكن نقول إن الأمر إذا صار خُلُقًا عامًّا لشعب فلن تمنعه عقوبات ولا قوانين، بل ألقِ مقودهم أوّلًا إلى مهندسى (سوفت وير) الشعب من الأئمة، والدعاة، والمعلمين، والإعلاميين، والمؤثرين، فهؤلاء جميعًا إذا اجتمعوا على هدى صالح اتبعتهم جماهير الناس، ومن شذ بعدها تحق عليه العقوبة.
إن كل سائق يعلم أن العقوبة مغلظة على من سار عكس الاتجاه، وأن القانون يجرِّم من تعاطى مُسكرًا أو مخدرًا حال قيادته، وكلهم يعلم أنه مخالف إذا تجاوز السرعات المقررة، ومن يجتاز السكك الحديد من غير معابرها يعلم خطأه، ومن يخرب مقاعد ومصاببح عربات القطار يعلم سوء فعله، فكلهم يعلم ولا يبالى؛ لأنهم حين يأتون المخالفة يغلب على ظنهم أنهم يفلتون من العقوبة، أما إن شهدوا جمعة من الجمع، أو موعظة من المواعظ فذُكِّروا وخُوِّفوا بحساب آخر أشد وأنكى فى الآخرة إذا هم ارتكبوا مخالفة فتلفت بها أموال أو أريقت دماء فحينئذ ترعوى طائفة منهم عن تهاونهم بحقوق الطريق، وآداب القيادة، فتُحقن دماء وتُصان أموال، فهل فى ذلك ما يضحك أو يُسخِر؟!
وحين يعلَّم المصلِّى فى مصلاه أو يُوصَى، أو يُذِكَّر فى الخطبة بحرمة إتلاف المال العام ومنه عربات القطار ومرافقها، وبحرمة الأخذ من جوانب الطرق وتضييقها على أهلها، وبحرمة قذف القطارات بالحجارة، فلا شك أن قسمًا منهم سيستجيب للداعى استجابة حسنة، فيمتنع ويمنع غيره عن الإضرار بالمال العام، فإن "السوفت وير" البشرى ليِّن طيِّع، فكما استجاب لدعاة السوء فتنكبوا به الطريق، وجاروا به عن سواء الصراط، فكذا يستطيع دعاة الخير أن يردوا الناس إلى "السوفت وير" القويم، فلا تحقرن من الموعظة كلمة أو آية لعل الله أن يغلق بها باب دم.
أما إخواننا الساخرون والمتهكمون على التعاون بين النقل والأوقاف فنقول لهم: ليس المقام هاهنا مقام هزل، بل مقام حفظ أنفس وأموال "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وليس يستقيم فى ميزان العدل المساواة فى السخرية والاستهزاء بين العامل إذا أصاب وإذا أخطأ، وليس يصح عند أرباب العقول أن يقصِّر الموظف أو يحسن فلا يكون حظه منا فى الحالين غير (ها ها ها)! إن كثرة التهكم والسخرية على ما يستحق وما لا يستحق تورث الأمة آفتين مفسدتين: فأما أولاهما فالتهكم يكدر على الناس ما يحصل لهم من النعم فلا يرونها بعين الرضا والحمد، وأما ثانيتهما فالتهكم يحول دون عمل الخير أو الإحسان فى العمل إذا علم صاحبه أن مآل أمره إلى السخرية والاستهزاء به.
وختامًا فالشكر للرجلين كامل الوزير والأزهرى وقد تعاونا على البر والتقوى، وعلى حفظ الأموال وحقن الدماء.
-------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]