15 - 08 - 2025

خواطر من دفتر النسيان

خواطر من دفتر النسيان

(1)

فقدت كل الدروبِ عناوينها، وبقي عنوانٌ واحد: عنوانُ حبي لك. 

لا مدينة.. لا شارع.. ولا حتى رقم منزل يحتاجه ساعي البريد ليستدلَّ به عليك.

تكفيه حروف أربعة منقوشة بخطِ النسخ على الغلاف القرمزي؛ "إليها".

لتعرف الدنيا إلى من تسافر رسائلي صباح مساء. 

(2)

ما زالت طقوسي في الكتابة سيدتي كما هي: أتوضأ بعطر كلماتِك، ثم أتناول قلمي الغارق في ليلِ شعركِ،

واكتب بحروفٍ غزلتها ليلاً من نور القمر وضفرتها نهارًا بخيوط الشمس وختمتها بخاتم العشق،

لتنثرها أسراب العصافير تحت قدميك.

(3)

سيكتب التاريخ سيدتي أن بحور الشعر تنبُعُ من عينيك، وأن ماء المطر يهطلُ من حدقتيك،

وأن البحار، والأنهار، والمحيطات مرسومة خرائطها على مقلتيك، فمنهما تُقلع المراكب صوب وجه القمر،

وبهما تختبئ الطيور عند هطول المطر. 

(4)

سيكتب التاريخ سيدتي أن كُتب التاريخ تفتتح صفحاتها بكلماتي إليك، 

منقوشة هي على جدران المعابد التي زرناها، وأحجار الأهرام التي صعدناها، 

وقاعات الأوبرا التي حضرناها، مطبوعة على واجهات محطات الباصات والمترو، 

وعلى أرصفة الشوارع الخالية إلا من قطرات المطر ونَزَقنا.

(5)

سيكتب التاريخ سيدتي عن خيباتي كلما حاولت تجاوز حضورك، 

وعن هزائمي خارج حدودك وعودتي ممزقًا محطمًا أتسولُ الحب على قارعة الهوى،

سيكتب التاريخ يا سيدتي عن عاداتك التي لم تغيريها؛ إذ تأخذين بيدي وتسامحين،

وإلى فضاءات عرشك ترفعين، وإمامًا للعاشقين تُنَصِّبين،

فكل محاولات الهروب لم تكن إلا رغبة دفينةً في الاقتراب من أسوارك العالية. 

(6)

سؤال بسيط.. متى نجح قلب في تجاوز قوانين الجاذبية؟

(7)

عندما تآمرت علينا الوحدة وأوقعتنا في فَخَها اللذيذ، وخَبأنا الفراغ في شرنقته السحرية، 

وسكن الوجود من حولنا وأرهف سمعه ترقُبًا للحظة الانفجارالكبير:

لحظة إعادة ميلاد الكون. 

ووضعت الدهشة إصبعي سبابتها في أُذُنيها وُضيقت حدقتي عينيها البنيتين ترقبًا.

وانتفت الحاجة لأبجديات اللغة، وبسطت عيناك سلطانهما، 

وجدتني تائهًا في بحور أنوارك الهادرة أطارد نجماتك المتوهجة.

(8)

رأيتك سيدتي شجرة كافور معطرة تتمسح بها الغيمات الكسلى المحملة بقطرات مطر الحب،

وتحلق فوقها العصافير والبلابل، وترسم الفراشات على جانبيها قلوبًا ملونة.

عندها وقفت في حضرتك تائهًا زائغ العينين مسحورًا أمام بوابات عالمك السحري.

ألجمتني الحيرة يا سيدتي، ولم أعرف من أيها أعبر، ولا من أيها أُلقي بنفسي في شلالات حضورك.

ضاعت مفاتيحي، وتداخلت خطوط خارطتك، تاه الميدان في السرداب، وتداخل التل في المنحدر.

وعندما ضربني الدوار أسرعت اتسلقُ جدرانك الشاهقة.

(9)

سيكتب التاريخ سيدتي كيف مرت عقود من التشرد خارج فضاءاتك،

أدور في كل الدنيا حاملاً صورتك المنقوشة على جلدي.. قاصدًا حدودًا أبعد من الحب، وتتجاوز العشقَ إلى ما بعد الصبابة والوجد.

وهناك كنتِ كعادتك محملة بماء الزهر والورد والياسمين.

(10)

خذلتني لغتي سيدتي وأنا أقرأ نقوشٍ وتعاويذَ الحب على بواباتك السامقة.

فلا لغة أسعفتني.. ولا قاموس أغاثني.

وهأنذا أقف وحيدًا. أتساءل متى نتقاسم حبات المطر كما اعتدنا؟

وكسرة الخبز كما اعتدنا؟

ونسمة الهواء كما اعتدنا؟

.. متى؟

………………..

بقلم: د. محمد مصطفى الخياط 

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

لطفي لبيب.. عندما يتقمص المتفرج الدور