بقلم/ الدكتورة أنيسة فخرو
إن اطلقنا عليها جزافاً مُسمى (الثقافة)، فهي للأسف أصبحت تسود المجتمعات العربية خاصة، والغربية عامة، والأمور نسبية.
وبدأت في عالمنا العربي، بعدم احترام لغتنا العربية، والتباهي باللغة الأجنبية، والتمسك بقشور الدين، وحب المظاهر، في الملبس والمأكل والمشرب، والرغبة في اقتناء الماركات الغالية الثمن، والسيارات الفارهة، والمساكن الفاخرة، فقط حبّاً في التباهي بالمظاهر.
ترويج الأغاني الهابطة، والذوق المتدني، والمغنيات والراقصات السحالي، اللواتي يلتصقن ويتمسحن بالجدران، ويتمايلن بوجوهن الأرجوزية المطلية بالألوان، وبأجسادهن شبه العارية، ونرى الحركات المكررة السمجة، واللقطات الأكشنية الرتيبة، والنغمات المحفوظة، حتى صرنا نعتقد أن كل الأغاني يعملها المخرج نفسه، وكل الألحان يضعها الملحن نفسه، ويوزعها الموزع نفسه، ويكتبها الكاتب نفسه، لنسمع تلك الكلمات الرديئة، التي يرددها ويحفظها عن ظهر قلب آلاف الحاضرين من الشباب لحفلات المغنين البائسة، ونرى الحركات الدونية نفسها، ونسمع الموسيقى التي لا روح فيها، والتي هدفها تحريك الأجساد بلا ذوق ولا مشاعر، مع تلك الأصوات النشاز، والأصباغ الفاقعة، والأزياء الساطعة.
ترويج الثقافة الهابطة بشكل ممنهج منذ أكثر من عقدين من الزمان، نتج عنه جيل يعشق التفاهة ويستمتع بها، جيل يحبّ كل ما هو تافه وهابط.
كل ذلك نتج عن التعليم الممنهج الهابط، والتربية الهابطة، التي تعزز القيم الاجتماعية الهابطة، والإعلام الممنهج الهابط.
الفن الهابط، الموسيقى الهابطة، الإعلانات الهابطة، البرامج التلفزيونية الهابطة، حتى البرامج المسماه (الثقافية)، تنحصر في الأزياء والموضة وتصفيف الشعر والمكياج!
شبابنا يشاهد الأفلام السينمائية الهابطة، ويمارس الألعاب الهابطة.
ومن الواضح تكريس القدوة الهابطة لدى الأطفال والشباب، فالمغني واللاعب و(الفاشن) مثلًا هم من يحصلون على أعلى الأجور، وعلى حياة الرفاهية والرغد، في حين إن المعلم المخلص، والطبيب الشاطر، والكاتب النزيه، والصحفي الأمين، والفيلسوف والمفكر القدير، ورجل الدين الشريف، ورجل العلم المكتشف والمخترع في مجتمعاتنا العربية أصبحوا من النوادر ويحصلون على التندر وأقل الأجور.
وصار المفسد والمرتشي والحرامي والمنافق والمتملق والتافه هو المُحترم اجتماعياً، ودخله يفوق ما قد يتصوره العقل، في حين أن الإنسان الصادق العفيف يحصل على التهكم، ويلقى الأمرّين في حياته اليومية.
من نراه يمسك بالكتاب ويقرأ صار أمرًا نادرًا جداً، ومن يعمّل بإخلاص صار يُتهم بالعقلية التقليدية القديمة.
وصارت الرغبة الجارفة لدى الجيل الجديد تنحصر في الحصول على الوظيفة والعمل التافه والهابط، يريدون فقط تحقيق الربح السريع بدون جهد أو تعب، حتى بلغ اعتماد الدولة على الاقتصاد الهابط، فلا إنتاج إلا للسلع التافهة، والاستهلاك أغلبه في التوافه أيضاً.
الاهتمام لدى أغلب الفتيات: الموضة والمكياج وعمليات التجميل وإبر البوتكس والفيلر والمانكير والباديكير، والحصول على رجل ثري للاقتران به، من أجل حضور حفلات المطربين والمطربات، وتناول جميع الوجبات في المطاعم والكفتيربات.
أما أغلب الشباب الذكور همهم ينّصب على اقتناء السيارة التي تلفت انتباه الفتيات، ولبس الملابس والشماغ والبدلات الماركات، والتسكع في المجمعات لمعاكسة الفتيات.
كل شيء أصبح هابطاً، حتى يخال المرء إنه هبط معها إلى أسفل السافلين.
حدث كل ذلك بشكل ممنهج وبذكاء جهنمي، لذلك نرى شعوب الغرب تتضامن وتقف بقوة مع قضايا الحق مثل قضية الشعب الفلسطيني، أكثر بكثير من الشعب العربي.
وأعتقد أننا بحاجة إلى عقدين آخرين من الزمن، من التربية والتعليم والإعلام والثقافة والدين الصحيح، لكي نعود إلى رشدنا، ونصحح البوصلة لدى أجيالنا القادمة في مجتمعاتنا العربية المنكوبة.
………………………..
بقلم/ الدكتورة أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام