كان رحيلُ العلّامة د. محمد بلتاجي حسن تلميذ الشيخ الثبت محمد أبو زهرة، في السادس والعشرين من أبريل، سنة 2004 م، زلزالا هزّ كياني، وكيان كلّ من تحلق بين يديه، ينهل من فقهه الفياض وعلمه الواسع، فأمسكت في التوّ قلمي؛ لأصوغ كلمة في رثائه، اعتمدتْ على المباشرة، والتكثيف؛ مراعاة للمساحة المحددة بصحيفة الأهرام .. فإلى نص الكلمة، التي نشرت بالأهرام في التاسع من مايو سنة 2005م بلا زيادة أو نقص ..
لكلّ أمة علماؤها المخلصون، وأئمتها المجتهدون، الذين جعلوا العلم غايتهم، ونشره رسالتهم، فوصلوا الليل بالنهار بحثا ومطالعة، تدوينا وتأليفا؛ ليخرجوا للبشرية ما ينفعها من علوم، فكانوا شموسا وكواكب تضيء طريق العلم، وتبدد ظلمات الجهل، وهم الذين بموتهم يقبض الله العلم، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا).. الحديث .
ومن هؤلاء العلماء النابهين، والفَهَمةِ الحاذقين، فقيد الدراسات الإسلامية، عضو مجمع اللغة العربية، عميد دار العلوم الأسبق الدكتور محمد بلتاجي حسن، ذلك العَلم، الذي ظل منشغلا بالعلم من طلوع فجره إلى غروب شمسه، فلم يُر إلا مُطلعا في كتاب، أو محققا لبحث، أو متحدثا في محاضرة، فأثرى الفكر الإسلامي بالعديد من الكتب النافعة، التي أشاد بها القاصي والداني، مثل " أحكام الأسرة .. دراسة مقارنة"، و" مدخل إلى التفسير"، وغيرهما الكثير .
كان رحمه الله مثالا للعالم العامل، وصورة حية لما ينطق به لسانُه، ويقر به جنانُه، كما كان الاعتدال مذهبه، وسموقُ الحق مطلبَه، اختار لنفسه منهجا قام على الفهم الصحيح لأصول الدين دون إفراط ولا تفريط، واستخدم العقل في الفهم والاستيعاب من غير شطط ولا مغالاة.
وبرغم فصاحة بيانه وجزالة لسانه، فإنه جانبَ في شرحه لطلابه الإغراب وحوشي الكلمات، واستخدم اللفظ الشائق، والأسلوب الرائق؛ رغبة في الإفهام، وتجنبا للإبهام.
جمع - رحمه الله - إلى جمال الخلقة بفضل أصوله التركية جمال الخلق، فكان هاشا باشا، دمث الخلق، غاية في التواضع، مع كلّ من عرفه، خاصة طلابه، كما كان فقيدنا الغالي، موسوعيّ المعرفة، اعتاد طلابُه أن يجمعوا أثناء محاضراته من علمه الغزير الشيء الكثير .
وبعد فما ذُكر ليس إلا غيضا من فيض، فلن نوفي به هذا الرجل حقه، وسيبقى في حياتنا - رغم رحيله - شمسا بلا أفول، وبحرا بلا شطآن، فرحمه الله رحمة واسعة بما قدم من علم نافع لمجتمعه وأمته .
وحيث إن المقال موجز؛ مراعاة للمساحة كما ذكرتُ آنفا، فإنني أعد القارئ بأن يكون هناك مقال أو أكثر عن الفقيد الغالي، وتاريخه العلمي المشرف، وربما سقت مواقف من خفة ظله، وهو ما لا يعرفه عنه الكثيرون .
……………………………
بقلم / صبري الموجي- مدير تحرير الأهرام: