11 - 08 - 2025

" جسم وأسنان وشعر مستعار" .. عرض مسرحي بحثا عن ملامح الإنسان

في بداية العرض المسرحي " جسم وأسنان وشعر مستعار"، قد يتصور المشاهد أنه سيشاهد عملاً في حالة من الملل، وربما شيئاً غير مفهوم، قد يكون هذا بسبب طول فترة التمهيد للعرض، وهدوء قاعة العرض على مسرح الهناجر في دار الأوبرا، أو لأسباب أخرى.

ولكن سرعان ما تتغير وتتبدل هذا الصورة، مع المشاهد الأولى لعرض المخرج " مازن الغرباوي"، ويلعب البطولة فيه، كل من نغم صالح سعد، ونهال فهمي، وعزة حسن، وعلياء وهاشم ومحمود عز الدين (زاكو)، ممثلا ومؤديا غنائياً، ومؤلفاً موسيقياً في ذات الوقت، كممثل أقرب للشمول.

العرض جاء مميزاً بشكل واضح، وكأنه يعلن أن القوالب الاجتماعية قابلة للتغير، وليس هناك مستحيل في التغيير، طالما بقيت الإرادة، وموجهاً رسالة أكثر وضوحاً عن حالة من التمرد الإنساني النسائي على كل الأوضاع التقليدية، لتعلن أن الإنسان واحد، لتبقى الهوية والإنسانية، ولغة الجمال، وفق رؤية من يستطيع، أو من يمتلك قدرة المواجهة والتغيير.

يمكن القول وعلى أرض صلبة، أن مازن الغرباوي جدد في عرضه المسرحي الأحدث "جسم واسنان وشعر مستعار" من استخدام لغة الجسد، بعبقرية عالية، من خلال مجموعة لوحات فنية، وكلمات شعرية استلهمها أو هي مقتطفات من أشعار العظيم أمل دنقل.

ومن وجهة نطري أن العرض يميل إلى التجريب أكثر، ويجمع بين الموسيقى والحس البصري، ولغة الشعر، في جرأة لنقل حالة القلق والهموم لدى المرأة في مجتمع، يتسم بالمحافظة.

اللوحات الفنية في عرض "جسم واسنان وشعر مستعار"، هي ضغط على كثير من آلام "الدمامل النسائية"، بين اثبات الهوية، والأحلام، والمحاولات، والتحديات التي تواجهها المرأة، واستخدم الغرباوي، وحدة الديكور المتحرك مع كل لوحة، مرة وكأنه زنزانة، أو هاتف محمول، أو حاجز يتوجب اختراقه، أو مستقبل غامض من الرقمنة والذكاء الاصطناعي.

وكل مشاهد وناقد يمكنه أن يرى العرض من رؤى مختلفة، إلا أن المشترك في كل هذا هو البحث عن الإنسان من الداخل، وصولاً إلى جوهره، وكل يرى هذا الجوهر كما يحلو، من خلال هذا العرض الذي يعتمد على الصورة البصرية، والإضاءة، وبأداء حركي جسدي، وبساطة في الديكور "الثابت المتحرك".

ونجح الأداء الموسيقي الغنائي وخلفيات أشعار "الغرفة 8" للشاعر الأجمل الراحل أمل دنقل، في الكشف عن فلسفة الإخراج في العرض التي تتطلب فهماً عميقاً للرسالة المستهدفة، على مدى ساعة هي مدة عرض جديد يقول كل القوالب قابلة للتغير.

وربما المشاهد يواجه صعوبة في استيعاب رسائل العرض، لعدم وجود الحوار المباشر، والذي يحتاج لتفسير وفهم عميقين للغة التي تمزج بين الصورة والحركة والإضاءة، والكلمات الشعرية التي تتخللها سواء تلك التي تم استلهامها من شعر أمل دنقل، أو تلك التي تم كتابتها للعرض نفسه من جانب المؤلف والمخرج، ومن خلال الأداء الحركي لبطلات العرض.

ساعة هي مدة العرض، والذي يمكن أن التأكيد على أنه نجح في توظيف تقنيات الصوت والإضاءة، والأغاني لتحل محل الحوار، منطلقة من هدف رئيسي، للتعبير عن هموم إنسانية مستحدثة، لا يعاني ويواجهها إنسان دون الآخر، مع التمرد على ما هو تقليدي، ونظرة مجمعية ذكورية في بعضها.

حالة مقاومة يستهدفها العرض المسرحي معلناً أي قلق على هوية الإنسان وجماله، وأخلاقه، وتحدياته، يمكن مواجهتها، وتلك من بين رسائل العرض فلسفياً وفكرياً، باستخدام، لوحات عبر الفيديو والإضاءة، والاستخدام الحسي البصري، واستشعار مخاطر أو فوائد الذكاء الاصطناعي، والرقمنة.

كل اسم في العمل قدم دوره في التمثيل والأداء، والديكور والإضاءة، والموسيقى، وغير ذلك، لشمول رسالة فلسفية فكرية، تعكس رسالة المؤلف والمخرج، في كلمته بحثاً عن الأسباب التي أدت لحالة من الخراب نتيجة الكثير من التغييرات، انعكاساً بالضرورة على خراب نفسي، ويبقى السؤال.. ما الحل؟.

"جسم وأسنان وشعر مستعار" عرض مسرحي متفرد للمخرج مازن الغرباوي، يخاطب المشاهد بفكر مختلف، وبلغة فلسفية تخاطب وجدان المشاهد، وتسبح في عقله، ويخرج المشاهد إلى ليلة من التفكير في مستهدفات العرض، وتدور في خواطره ما جري عبر عرض بلغة بصرية بعيداً عن أي حوار مباشر، لتعلن في مجملها حق التمسك بالملامح، ومقاومة من يحاول سلبها.