04 - 08 - 2025

مصر عند مفترق الطرق.. أزمة الثقة بين مصر وصندوق النقد الدولي..مراجعة خامسة تحت النار

مصر عند مفترق الطرق.. أزمة الثقة بين مصر وصندوق النقد الدولي..مراجعة خامسة تحت النار

مصر عند مفترق طرق..الوضع لم يعد يحتمل التجميل أو التهرب. الاقتصاد المصري يحتاج لقرار سياسي شجاع بتحرير السوق وتمكين القطاع الخاص، مع برنامج حقيقي يوازن بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية..أما الاستمرار في "المراوغة في نفس المكان فسيجعل من كل تقرير صادر عن الصندوق صفعة جديدة على وجه الاقتصاد المصري.

في تطور لافت وخطير لمسار العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي..جاءت تصريحات الصندوق قبيل المراجعة الخامسة شديدة اللهجة والصراحة لدرجة اعتبرها البعض عملية تشريح اقتصادي كاملة لوضع مصر الداخلي وانتقادا مباشرا لغياب التقدم في الإصلاحات المتفق عليها في برنامج الدعم الممتد منذ 2022.

أحدثت تصريحات مسؤولي الصندوق كانت صدمة في الأوساط الاقتصادية والإعلامية..حين أكدوا أن مصر لم تحرز أي تقدم حقيقي في المراجعة الرابعة أصلا، وأن الحديث عن الدخول في المراجعة الخامسة سابق لأوانه ما لم تغير القاهرة مسارها جذريا..بل وصل الأمر إلى حد التصريح بضرورة أن تبدأ مصر من الأول خالص في ملف الإصلاحات مع مطالبة واضحة بتحرير سعر الصرف فورا وتوسيع نطاق حركته ليعكس القيمة الحقيقية للعملة  مؤكدين أن السعر الحالي لا يزال متحكما فيه رغم خفض الجنيه لأكثر من 60% من قيمته منذ 2022.


من بين أكثر التصريحات إثارة ألا وهي مطالبة الصندوق بأن يصل سعر الصرف إلى مستويات 53–54 جنيها للدولار وهي خطوة يرى الصندوق أنها ضرورية لتحقيق التوازن المالي ومعالجة العجز في الحساب الجاري. هذه التوقعات تثير فزع الأسواق والمواطنين  نظرا لإنعكاسها المباشر على الأسعار والتضخم..ورغم اعتماد مصر سياسة سعر صرف مرن من حيث الاسم إلا أن الصندوق يرى أن السوق لا يزال مدارا بشكل غير شفاف مما يمنع جذب استثمارات جديدة ويؤدي إلى تفاقم السوق السوداء وتهريب العملة.

جزء من انتقادات الصندوق كان موجها لبطء الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج بيع الأصول الذي كان حجر الزاوية في الاتفاق المالي. رغم الإعلان عن بيع شركتي "صافي" و"وطنية" منذ سنوات، فإن عملية البيع متوقفة حتى اليوم، دون توضيح الأسباب..ما يثير تساؤلات دولية عن مدى جدية الحكومة في جذب الاستثمار الأجنبي.


ولعل الأهم هو هذا الأتهام المباشر بأن الدولة المصرية ما زالت تسيطر على الاقتصاد بشكل خانق، عبر شركات تابعة لمؤسسات أمنية وعسكرية تمنع المنافسة وتضعف القطاع الخاص وتعيق خلق الوظائف بل وتميت السوق تدريجيا..وتشير التقديرات إلى أن نسبة الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية تصل إلى 36% في القطاعات المدنية، وترتفع إلى أكثر من 40% في قطاعات مثل الرخام، الجرانيت، الأسمنت، والصلب، مما يجعل مناخ الاستثمار بيئة غير عادلة.


أحد أبرز المحاذير التي أعلن عنها الصندوق هو أن الديون الخارجية لمصر مرشحة لتتجاوز 200 مليار دولار بحلول عام 2030، وهو ما ينذر بكارثة هيكلية في ظل ضعف موارد النقد الأجنبي خاصة بعد تراجع إيرادات قناة السويس وتقلص عوائد السياحة وتباطؤ الاستثمار.


ورغم قسوة التصريحات..إلا أن هناك عدة إستفسارات مشروعة وهي هل يجحف صندوق الدولي بحق مصر؟..وهل مصر بحاجة إلى برنامج جديد.. أم أن هناك تجنيا دوليا عليها ؟

هناك تقارير دولية صادرة من مؤسسات اقتصادية كبرى مثل كابيتال إيكونوميكس وبلومبرغ إيكونوميكس تشير إلى أن السعر العادل للدولار في مصر لا يتجاوز 20–25 جنيها إذا ما تم تحرير السوق فعليا وزيادة الإنتاج المحلي وخفض الاعتماد على الاستيراد.

ويقول البعض إن الإصلاحات المفروضة تحمل المواطن أعباء تفوق طاقته بينما يتم استثناء قطاعات كبرى من أي رقابة أو إصلاح ما يعكس اختلالات داخلية أكثر من كونها مجرد شروط خارجية قاسية..

لذا أري أن هناك عدة سيناريوهات في تعامل مصر مع صندوق النقد الدولي خلال الفترة المقبلة منها إما الاستجابة السريعة بإتخاذ الحكومة خطوات عاجلة بتحرير فعلي لسعر الصرف، وتسريع برنامج بيع الأصول، وتقليص دور الدولة الاقتصادي.. هذا السيناريو يفتح الباب لدفعة جديدة من القروض والمساعدات..لكنه مكلف اجتماعيا وسياسيا.

السيناريو الثاني وهو إتخاذ مصر سياسة  الجمود والمراوغة والأستمرار علي الوضع الحالي بتعديلات شكلية دون جوهر ما سيؤدي إلى تعليق التمويل من الصندوق وفقدان ثقة الأسواق وبالتالي ارتفاع الدولار أكثر وازدياد الضغوط على الاقتصاد.

والسيناريو الثالث سيكون عن طريق البحث عن بدائل للصندوق كالأتجاه نحو التمويلات الخليجية أو الصينية..أو التوسع في بيع أصول إستراتيجية لكنه خيار محفوف بالمخاطر طويلة المدى ويتبعه فقدان للسيادة  والهيمنة الاقتصادية..ولنري إلي أين ستسير الأحداث والمواقف خلال الفترة القادمة.

…………………

بقلم: ضياء الدين عبد الحميد

مقالات اخرى للكاتب

مصر عند مفترق الطرق.. أزمة الثقة بين مصر وصندوق النقد الدولي..مراجعة خامسة تحت النار