قد استعرت عنوان مقالتى هذه من قصيدة للشاعر السعودى الأمير عبد الرحمن بن مساعد مشتهرة بهذا الاسم، غير أن الأمير يتهكم على الحرامى واحتياله وتلبيسه الحق بالباطل ليأكل أموال الناس، أما أنا فى مقالتى هذه فلست أتهكم على الحرامى، بل هى احترام وإكبار صادقين لطائفة من أرباب الإجرام والمنكرات! لكنى رأيتهم حين اقترفوها كان فى قلوبهم شىء من خير، وشىء من وازع جعلهم يقتصرون من الشر على أقله، ومنعهم من التمادى فى الأذى والسوء.
فأحيانًا ما يلاقى أحدنا عند باب بيته، أو على رصيف من الأرصفة، أو بمفترق طرق محفظة مطروحة قد أُخِذ منها المال وأبقى السارق لصاحبها بطاقاته وأوراقه، فالسارق أراد المال فأخذه، لكن لم يجد فى نفسه حاجة إلى مزيد أذى، فلم يحرق ولم يمزق ولم يتلف أوراقًا ولا بطاقات، فإن فقْدها أشد عند صاحبها من فقد المال، فالمال يرجع، أما تكاليف هذه فأوقات مضيَّعة، ومصالح معطلة، وأموال منفقة، فلم يشأ السارق أن يحمِّل نفسه من الأوزار ما هو فى غنى عنه، فاقتصر من الإثم على بعضه، ثم ترك باقى المسروق بمرأى من الناس؛ ليؤدوه إلى صاحبه، وهو يفعل ذلك فى ساعة حضرته فيها نزغات الشر، وتلبسته فيها خشيته الفضيحة، فهاهنا (احترامى للحرامى).
كذلك ربما تجد من المحتالين من يزعم استطاعته عقد الأسحار وإبطالها، فيوهم بذلك خلقًا كثيرًا، فتأتيه هذه وتلك من هنا ومن هناك، فيخدعهن بوريقات، وتمتمات، وأحجبة، وبخور، فيقبض أموال السفهاء والسفيهات، ثم لا يعقد سحرًا ولا يحل عقدة، فالرجل ارتكب أخف الجرمين، فهو محتال يأخذ الأموال بغير حق، وهذه أقل شرًّا من أن يتعاطى علم السحر على حقيقته فيؤذى ويفسد، فهاهنا (احترامى للحرامى).
ومن الناس من يأتى أو تأتى الخطيئة فيكون له الولد من الحرام، فيخشى أو تخشى الفضيحة، فيأتى به إلى أحد أبواب المساجد أو الملاجئ فيجعله هناك فى خفية، ليأخذه أهل الخير فيكفلونه، فهؤلاء ارتكبوا لا شك كبيرة من الكبائر، لكنهم كفوا أيديهم عن كبيرة أخرى أشنع وأفظع، فلم يطرحوه فى القمامة ولم يلقوه فى اليم، مع حضور نزغات الشيطان، ووساوس الفضيحة، فهاهنا (احترامى للحرامى).
فهؤلاء وغيرهم ممن تحضرهم دواعى الشر، وتتلبسهم نزغات السوء فيقترفون الجرم الأقل، ويدَعون الجرم الأعظم_ ينبغى للناظر فى شأنهم من إخوانهم أو من جيرانهم أو من القضاة أن ينظر إليهم بشىء من الرحمة قبل أن يعجل عليهم باللوم أو العقوبة، وأن ينظر إلى الخير الذى فى ضمائرهم فمنعهم التمادى فى الشر فينميه ويكثره، لا أن يكون المجتمع عونًا لوسواس السوء عليهم، فإنهم كما اقترفوا أقل الشرين، فينبغى أن يؤاخذوا بأقل العقوبتين، وأن يؤخذ بأيديهم إلى الهدى، وأن يُعانوا على البر، فإن الخير فيهم أغلب للشر.
----------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]