طوال عام 2025، تحول ملف الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من نقاش دبلوماسي ثانوي إلى محور تحرك دولي واسع، يقوده تحالف مقرون بجهود ريادية من المملكة العربية السعودية و جمهورية مصر العربية، بدبلوماسية قيادية وإصرار مشترك لإنهاء حقبة طويلة من الجمود، وإطلاق بوصلة السلام العادل عبر حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
المملكة كثفت منذ قمة الرياض العربية‑الإسلامية الاستثنائية في نوفمبر 2023 مواقف رافضة لأية تراجعات، داعية لاتخاذ قرارات "لا تُرجع"، تعبر عن إرادة سياسية حقيقية لإنهاء الاحتلال.
وفي قمة الشرعية العربية بالبحرين في مايو 2024، أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس الوزراء، دعم الرياض الكامل لمبادئ خطة السلام، مطالبًا بالاعتراف الدولي بفلسطين ووقف العدوان فورًا .
على الصعيد الدولي، ترأست السعودية مؤتمرًا رفيع المستوى في الأمم المتحدة مع فرنسا من أجل التسوية السلمية، طالب بالاعتراف الجامعة بفلسطين ودعم السلطة الوطنية، ونظم تحالفًا عالميًا بتنفيذ حل الدولتين، ضم قوى غربية ودولًا عربية لحشد دعم سياسي واقتصادي لتحقيق الاعتراف دوليًا .
في هذا الإطار، رحّب النظام الدولي بإعلان الرئيس الفرنسي ماكرون نيته الاعتراف بفلسطين منتصف 2025، ضمن إعلان مقرر في مقر الأمم المتحدة سبتمبر المقبل .
وفي الوقت نفسه، لعبت مصر دورًا موازياً ومكملاً، يُمكن من تحويل هذا الزخم السياسي إلى واقع ملموس.
ففي مارس 2024، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، مؤكدًا أن ذلك يمثل علامة جدية على جدية السلام .
وعقب عرقلة مجلس الأمن الاعتراف بفلسطين بسبب الفيتو الأميركي، أدانت مصر هذه الخطوة، وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية تجاه المدنيين الفلسطينيين .
عقب ذلك، في مارس 2025، عقدت مصر قمة عربية استثنائية في القاهرة خصصت لإطلاق خطة إعادة إعمار غزة على ثلاث مراحل مع ضمان عدم تهجير السكان، وتضمّنت دعوات واضحة للاعتراف الدولي بفلسطين كقوة سياسية جامعة ومستقلة .
ونسقت القاهرة مباشرة مع السعودية في اجتماعات ثنائية لمحورية التنسيق حول وقف النار ومؤتمر إعادة الإعمار الدولي، وقدّم وزير الخارجية المصري تصورًا متكاملًا يربط بين الاعتراف وارتباطه بتحالفات دبلوماسية أقوى .
تمثّل قائمة الدول التي أعلنت اعترافًا رسميًا حتى منتصف 2025 مؤشرًا على التحوّل الدبلوماسي، النرويج وإيرلندا وإسبانيا أعلنت اعترافها في 28 مايو 2024، وسلوفينيا تبعتها في 4 يونيو 2024. المكسيك انضمت إلى ذلك في فبراير 2025، إضافة إلى دول كاريبية مثل ترينيداد وتوباغو والباهاماس وجامايكا التي أعلنت رسميًا دعمها دولة فلسطين .
وعلى شاكلة المملكة ومصر، أعلنت كلّ من فرنسا وكندا وبريطانيا اعتزامها الاعتراف بفلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة 2025. فرنسا تنوي تنفيذ القرار في سبتمبر، بينما كندا اشترطت إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، وأكد رئيس الوزراء البريطاني ستارمر أن الاعتراف سيكون "متى وليس إذا" شريطة وقف عدوان وتحرّك سياسي فعلي .
كما عبرت مالطا والبرتغال وأستراليا ونيوزيلندا عن استعدادها لدعم التحرك الدولي فور استيفاء شروط محددة، ما يعكس اتساع قائمة الفاعلين .
الرؤية المشتركة للسعودية ومصر تُبيِّن أن الاعتراف ليس مجرّد رمزية دبلوماسية، بل خطوة تكاملية تُرسّخ المؤسسات الفلسطينية، وتخلق ضغطًا دوليًا على إسرائيل للالتزام القانون الدولي وإيقاف الاستيطان، وهو خطاب رافعه مستشار سعودي بقوله إن "الاعتراف ضرورة استراتيجية لإنقاذ حل الدولتين"، ودعمته مصر بخطة إعادة إعمار غزة والتنمية المستدامة دون تهجير .
إستراتيجياً، مثلت مصر والسعودية محور قيادة عربي موحد دعا إلى مقاومة الدعوات الإسرائيلية لترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، مؤكدة على رفضها التهجير القسري وجعل غزة رهن الإدارة الإسرائيلية أو أي نموذج آخر.
ومثلت الخطة المصرية بدعم من السعودية خارطة طريق تتضمن تقوية الحكم الذاتي الفلسطيني واستقلال السلطة الوطنية دون مساس بالسيادة الفلسطينية .
حتى يوليو–أغسطس 2025، بلغ عدد الدول المعترفة بفلسطين نحو 147 من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة، أي ما يعادل أكثر من 75% من الدول، مما يعكس عبورًا دبلوماسيًا نوعيًا قائمًا على تعاون سعودي‑مصري مدعوم بتحرك غربي واضح.
المصدر يشير إلى أن الصين والهند وروسيا ضمن الدول التي تعرّفت منذ عقود، بينما دول مجموعة السبع بدأت بإعلان خطوات فعلية للاعتراف .
ومع ارتفاع الأزمة الإنسانية في غزة، وتصاعد عنف الاحتلال، تصاعدت الدعوات الدولية لتسريع الاعتراف كجزء من حل شامل، وربط الحقوق بالحد الأدنى من الاستقرار. جاءت مبادرة التحالف السعودي–المصري، وعقد مؤتمرات القاهرة والرياض وتنسيق قمة بغداد الدولية، لتجسد المسار السياسي المتكامل بين الضغط والإصلاح والإعمار .
النظر إلى مستقبل عام 2025 يكشف أن السعودية تتحرك بقيادة واضحة نحو قيادة دول العالم المتجهة نحو الاعتراف، بينما مصر توفر الأرضية السياسية والتنفيذية، وقد أصبح السيناريو المرجح أن يصل عدد الدول المعترفة ما بين 150 و160 دولة بحلول نهاية العام، ما سيشكل تكتلاً دوليًا داعمًا لحل الدولتين بمنطق جدّي وليس شعارات فارغة.
و يبدو أن الاعتراف بفلسطين بات وشيكًا، والرياض والقاهرة أمام لحظة تاريخية تتجه فيها القضية الفلسطينية من حالة الانتظار إلى واقع دبلوماسي جديد، يعزز السلام ويضع حداً لمعاناة الفلسطينيين ومراحل النزاع الطويل المستمر منذ عقود تحت مظلة اعتراف دولي بقيادة عربية فاعلة وقرار سياسي عالمي.