02 - 08 - 2025

غزة وكسرة النفس

غزة وكسرة النفس

يقول الفقهاء الذين فقدت كل ثقة في كلامهم، أن المؤمن يتعرض لاختبار مدى إيمانه مرة واحدة في حياته. وللحق وبالحق نقول أن أهالى فلسطين، وفي المقدمة منهم سكان أو - إن صح القول - قل أموات "غزة"، تعرضوا لاختبارات فاقت اختبارات الأنبياء والرسل، وباتوا عنوانًا للظلم، والحرمان، والمحرقة الحقيقية وليست المزيفة في تاريخ البشرية التافه.

صورة تأتي لطفل يموت جوعًا هنا وهناك، وأخرى تعتصر ألمًا من أجل كوب مياه، ورابعًا يناجي عمرًا ليخبره مجند يهودي في مواجهته بأن "عمر قد مات"!

أتابع بحرقة العاجز القعيد، على شاشات التلفاز، صراخ أهالي غزة، وأبادلهم صراخ العجز وقلة الحيلة، وفجأة وأمام الحسرة، قررت أن أنتقل إلى فضائية أخرى محلية، وشهدت الحديث عن انتخابات لمجلس نيابي، ويهمس صديق يجلس بجانبي أن فلانًا قد أنفق ما يقارب من 40 مليون جنيه حتى يتم إدراجه ضمن طائفة المحظوظين! وأجدني أضرب كفًّا بكفّ عن أناس تكافح من أجل لقمة خبز، وأخرى تنفق الملايين من أجل أن يقال عنها "معالي النائب"، ويخفي ماض أسود خلفه، وجرائم تبدأ بتجارة عملة، وتنتهي بتجارة سلاح!

الحقيقة المرة والوحيدة، أن مصر باتت مثقلة بمشاكلها الاقتصادية الداخلية، وتحالف عليها الأشقاء قبل الأعداء من أجل إخراجها من المعادلة في الشرق مرغمة، نزولًا على ظروفها، وتحالف الشياطين من حولها، وقد زرعوا حزامًا ناريًّا يحيط بها من كل جانب، ناهيك عن تصدير كل ما يملكون من معاول هدم إليها. 

كم وددت أن أزور غزة هاشم، وأخبر أهلها بأن مصر لم تقصر يومًا، ولن تقصر، وأن واقعًا عربيًّا جديدًا يحكمه في دويلات عربية، تقع على خليج سيء الصيت والسمعة، حفنة حكام، بينهم تافه، وخائن، وعميل، تآمروا على العروبة وعلى فلسطين، ويزعجهم صوت مصر وقوميتها وعروبتها، وهي لا حيلة لها، وسط ضغوط اقتصادية غير مسبوقة. وكم تمنيت لو أن آبارهم جفت، وديارهم خربت، وعادوا مجددًا إلى جزيرتهم قبل الدعوة.

وكم وددت لو أن عمر بن الخطاب لا زال بيننا؛ لنخبره بما فعله اليهود من تعذيب وتنكيل، طوال ما يقارب عامين، للمؤمنين في فلسطين، وبعدها لبنان، وسوريا، وإيران. 

كم وددت لو أخبرته بأن أهالي غزة جائعون، ينتظرونك، وينتظرون جيشك، وينتظرون غضبك لدين الله، وللإنسانية بصفة عامة.

ينتظرون منك تطهير جزيرة العرب، وخضوعها للإسلام مجددًا، ومحاربة المرتدين عن شرف الأمة وعرضها ونخوتها، وكذا محاربة أبي جهل، وأمية بن خلف، وعبد الله بن سلول. ينتظرون نصرة من الله لشعب يموت جوعًا، وحضارة الغرب ترقص طربًا، وحضارة الشرق ترقص فرحًا، وسط كؤوس الهوى وأحضان النساء.

ينتظرون نصرة من الله سريعة، ترد الإيمان لقلوب قارب أن يغادرها، وهي ترى صمتًا من الأرض والسماء، على سحل نساء، وضرب رجال، وقتل أطفال، ذنبهم أنهم رفضوا أن يغادروا أرضهم، فكان لهم ما كان!

أجدني أتذكر واقعة فتاة "عمورية"، وبعد أن جلدها جندي رومي، وقالت "وامعتصماه!"، وهي تنادي أمير المؤمنين العباسي المعتصم بالله في بغداد، وقرر أن لا يأكل ولا يشرب ولا يلامس النساء، إلا وقد لبى النداء. وجهز جيشًا جرارًا حتى وصل إليها في عمورية بتركيا، وجعل من جلدها وتحرش بها عبدًا لها وخادمًا، وقال مقولته "هل رضيتِ عن المعتصم؟" وقال من قال حينها: 

رُبَّ وامعتصماه انطلقتْ

‏ملءَ أفواهِ الصَّبايا اليُتَّمِ

‏لامستْ أسماعهم لكنَّها

‏لم تلامسْ نخوةَ المُعْتَصِمِ.
-------------------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ
                                                                                                          

مقالات اخرى للكاتب

غزة وكسرة النفس