29 - 07 - 2025

مذبحة منتصف الليل بـ كوماندا: بيت الصلاة يتحول إلى مقبرة جماعية

مذبحة منتصف الليل بـ كوماندا: بيت الصلاة يتحول إلى مقبرة جماعية

لم يكن فجر السبت في بلدة كوماندا الواقعة في شرق الكونغو مختلفًا عن أي فجر آخر، كانت أجراس الكنيسة تقرع، والمصلون يركعون في سكون يهمسون بصلواتهم في سهرة روحية ليلية اعتادوا إقامتها كل نهاية أسبوع، لم يتخيل أحد أن دقائق قليلة تفصلهم عن واحدة من أبشع المذابح التي ستبقى محفورة في ذاكرة المكان.

في حوالي الساعة الواحدة صباحًا، اخترقت أصوات الرصاص والمناجل صمت البلدة، مجموعة مسلحة اقتحمت الكنيسة بعنف، وأمطرت المصلين بالرصاص داخل بيت العبادة، في لحظة لم تترك لهم فرصة للهرب أو حتى الصراخ، رجال ونساء وأطفال كانوا هناك... صلوا في خشوع وماتوا في صمت..

تفاوتت أعداد الضحايا في روايات من حضروا المجزرة، لكن المؤكد أن أكثر من أربعين شخصًا فقدوا حياتهم داخل الكنيسة، فيما قتل آخرون في قرية مجاورة أضرمت فيها النيران وأُحرقت منازلها على رؤوس ساكنيها، وبينما كانت أصوات التكبير ترتفع من المعتدين، كان الجيران في حالة ذهول، عاجزين عن صد الهجوم أو حتى انتشال الجثث من تحت الركام.

المذبحة لم تكن عشوائية، بل كانت جزءًا من سلسلة عمليات دموية تنفذها جماعة مسلحة تعرف بقسوتها ووحشيتها، تنشط في هذه المناطق النائية منذ أكثر من عقدين. هذه الجماعة، التي تتستر بالدين، اتخذت من المدنيين العزل هدفا مباشرًا. وكنيسة كوماندا كانت هذه المرة ساحة لتنفيذ أجندة قائمة على الدم والترويع..

ورغم إعلان الجيش تدخله في أعقاب الحادث، واكتفائه بعدد قليل من القتلى، فإن سكان المنطقة يؤكدون أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير، وأن ما حدث فجر السبت هو جريمة منظمة سقط فيها العشرات بلا ذنب، فقط لأنهم اختاروا أن يصلوا.

تقول إحدى الناجيات، وهي امرأة خمسينية أصيبت في ساقها برصاصة أثناء محاولتها الهرب: "كنا نرنم ترنيمة عن السلام، وفجأة سمعنا صوت الرصاص. ركضت وأنا أسمع من يسقطون خلفي واحدًا تلو الآخر.. كنا نصلي فمتنا!"

ما حدث في كوماندا ليس مجرد حادثة معزولة هو انعكاس لوضع أمني منهار، ونزاع دموي مفتوح في شرق الكونغو، حيث تتصارع جماعات مسلحة، وتغيب الدولة، ويترك السكان تحت رحمة المجهول.. الكنائس، المدارس، الأسواق وحتى المنازل باتت أهدافًا مفتوحة في معركة لا يفهمها أحد، ويدفع ثمنها الأبرياء وحدهم..

ولأن المأساة تتكرر، ولأن الصمت العالمي بات أقرب إلى التواطؤ، يصرخ سكان كوماندا وكل القرى المجاورة: "لسنا أرقامًا.. نحن بشر. نريد أن نعيش"

اليوم، تقف الكنيسة المحترقة كشاهد صامت على الجريمة.. بلا نوافذ، بلا مذبح، وبلا المصلين الذين ملأوها بالأمس تراتيل ومحبة.. وحدها رائحة الموت تملأ المكان.. وما تبقى من الصليب، صار شاهدًا على مذبحة كان يمكن تفاديها، لو أن العالم لم يغض البصر عنهم..