21 - 08 - 2025

البلطجة والعنف .. داء يصيب المجتمع المصرى (تحقيق)

البلطجة والعنف .. داء يصيب المجتمع المصرى (تحقيق)

"المشهد" تدق ناقوس الخطر .. وخبراء يطالبون بتغليظ العقوبات وخطط لمواجهة شاملة
- عادل عامر: تطبيق قوانين رادعة وتحسين الظروف الاقتصادية وحملات إعلامية تروج لقيم التسامح
- محمود قاسم: تقديم نماذج إيجابية ووقف تمجيد الشخصيات الخارجة عن القانون
- رجب عبداللطيف: تربية الأبناء على الأخلاق والقدوة الحسنة فالإهمال التربوى يخلق فراغاً يملأ بالعنف 
- آمنة نصير: تعزيز الوازع الدينى والعودة إلى تعاليم الإسلام وتنشيط دور المساجد
- أحمد كريمة: تفعيل دور الدروس والخطب لمواجهة العنف وتعزيز التسامح والاحترام 
- مى رشدى: غياب الرسائل الأخلاقية الهادفة فى بعض الأعمال الفنية وتقديم البلطجية كأبطال ينشر الظاهرة
- عزة كريم: التفكك الأسرى وغياب التربية السليمة .. أهم الأسباب وهناك ضرورة لإعلام هادف يروج للقيم 

تصاعدت ظاهرة البلطجة والعنف فى السنوات الأخيرة بصورة متكررة فى مناطق متفرقة وباستخدام أساليب مختلفة فى الاعتداء بشكل ملحوظ ومثير للقلق والرعب حتى طفح الكيل من تكرار تلك الحوادث المخيفة، وباتت مشاهد الاعتداءات اللفظية والجسدية وسرقة الممتلكات وترويع المواطنين جزءاً من الحياة اليومية فى بعض المناطق، خاصة بين فئة الشباب والمراهقين وهو ما ينذر بخطر يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعى وأصبحت تلك المشاهد المروعة لا تقتصر فقط على الأحياء الفقيرة بل امتدت إلى مناطق متنوعة مما يجعلها مشكلة مجتمعية شاملة تنذر بكارثة مستقبلية.

وبالرغم من أنها ظاهرة قديمة جداً ومنتشرة منذ زمن بعيد إلا أنها تفاقمت بشكل كبير فى الفترة الحالية، خبراء الاقتصاد يرون لهذه الظاهرة جذوراً اقتصادية عميقة تؤثرعلى استقرار المجتمع وتماسكه، ويؤكدون أن بناء مجتمع أمن يتطلب تربية جيل يحترم الأخر ويلتزم بالقانون ويؤمن بأن الحوار والتسامح هما السبيل الحقيقى لحل الخلافات. 

من أشهرهذه الوقائع المؤسفة، قيام مجموعة من الشباب باقتحام أحد المسجد أثناء الصلاة حاملين "أسلحة بيضاء وسنجا وشوما" مروعين المصلين دون مراعاة لحرمة بيوت الله، ما أثار موجة غضب واستياء شعبى. 

من مظاهر البلطجة والعنف فى الشارع أيضا الاعتداء على المارة بالضرب أوالسلاح الأبيض وفرض الإتاوات على أصحاب المحال أو الباعة الجائلين أو المشاجرات الجماعية التى تعرض حياة المواطنين للخطر والتحرش اللفظى والجسدى بالنساء والفتيات وتخريب الممتلكات العامة والخاصة.

أيضاً ماحدث منذ أيام قليلة من مشاجرة بالأسلحة النارية بين طرفين فوق أحد الكبارى بشبرا الخيمة ، ما أثار غضبا وذعرا بين المواطنين على الطرق العامة.

هذا الحادث وغيره من الحوادث المتكررة يدفعنا للتساؤل: إلى أين نحن ذاهبون؟! فالأمر جلل ويجب دراسة هذه الحالات بعناية، ما الذى أوصلنا إلى هذا الحال؟ وكيف نعالج هذه الأزمة؟

"المشهد" تعرض أراء خبراء الاقتصاد والاجتماع والقانون وعلماء الدين عن أسباب تفاقم هذه الظاهرة ، ولماذا أصبحت البلطجة سلوكاً شبه معتاد فى شوارعنا ومدارسنا وأحيائنا الشعبية والراقية على حد سواء؟ ولماذا لم تعد هناك رهبة من القانون ولا احترام لدورالعبادة أو المؤسسات العامة والجهود البرلمانية للتصدى لمواجهة هذه الظاهرة تستدعى تضافر الجهود سواء من الأسرة أو المدرسة أوالدولة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

أزمة اقتصادية واجتماعية

يرى معظم خبراء الاقتصاد أن ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب وفقر شرائح واسعة بين المجتمع يشكلان أسبابا رئيسية فى تنامى ظاهرة العنف والبلطجة حيث يعانى الشباب فى الحصول على فرصة عمل مناسبة مايرفع مستويات الإحباط ويخلق شعوراً بعدم الانتماء مما يدفع البعض للجوء إلى السلوكيات العدوانية. 

 

الدكتورعادل عامر رئيس المركز المصري للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، والخبير فى القانون الدولى، يرى أن أسباب العنف كثيرة جدًا، وأحد أسبابها جينية في الأسرة، والبلطجي ليس بلطجيا بالصدفة، لكنه يكون لديه جينات تدخل في تشكيل وجدانه ومن أسباب العنف في المجتمع أيضًا التفكك الأسري وسوء التربية وغرس فكرة الانتقام وضعف التعليم والوعى المجتمعى، غياب الوازع الديني، البطالة، الفقر، وصعوبة المعيشة والدراما في كثير من الأحيان تشكل وجدان البلطجي وتعطيه الشجاعة ليُقدم على مارآه أمامه في الأعمال الدرامية، وأيضاً تأثير الإعلام السلبى وانتشار مشاهد العنف فى الأفلام والمسلسلات والإحباط والشعور بالظلم الاجتماعى أو فقدان الأمل وتعاطى المخدرات والكحول، وأيضاً انتشار العنف مرتبط باقتصاد غير رسمى يتضمن أنشطة مثل فرض الإتاوات وتجارة المخدرات والمناطق التى تشهد بلطجة أوعنفا غالباً ما تشهد تراجعاً فى حركة الأسواق والسياحة، وينتج عن غياب الأمن شعور بالإحباط وفقدان الأمل، كذلك تنخفض الثقة بين المواطنين والدولة وهو له تأثير طويل الأجل على النمو الاقتصادى وله تأثير سلبى على مناخ الاستثمار.

والمواجهة الحقيقة لظاهرة البلطجة لا يجب أن تكون فقط أمنية أو تشريعية بل يجب أن تشمل منظومة متكاملة تبدأ من الأسرة والمدرسة مروراً بالإعلام والفن وحتى دور العبادة، ونحن بحاجة إلى حملة توعوية واسعة تعيد تعريف معنى الرجولة والشهامة والانتماء للمجتمع، وتواجه بثقافة الوعى تلك النماذج الزائفة التى روجت لها بعض الأفلام والمسلسلات، الدولة تحاول وضع حلول لمواجهة هذه المشكلة من خلال معالجة العشوائيات، كما يجب أن تكون هناك رقابة حقيقية على المحتوى الفنى والإعلامى ومحاسبة كل من يروج للعنف أو البلطجة تحت أى مسمى، وإذا لم نتحرك بشكل سريع فإن ظاهرة البلطجة ستتحول من سلوك فردى إلى ثقافة عامة وسيصبح العنف هو اللغة السائدة.

ويوضح عامرً أن البلطجة والعنف ظواهر مرتبطة بضعف البنية الاقتصادية وتدهور الخدمات العامة، فضعف الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان وتدهور البيئة الاقتصادية، والفجوة الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية تؤدى إلى الشعور بالظلم والإقصاء وهو ما يزيد من العنف كوسيلة تعبير عن الاحتقان وغياب المشاريع التنموية وفرص العمل للشباب يجعلهم أكثر عرضة للانخراط فى أعمال عنف أو جرائم. فالعنف قد يكون نتيجة مباشرة لضغوط اقتصادية غير محمودة، كما أن التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية تسبب ضغطاً نفسياً واجتماعيا كبيراً على الأسر ذات الدخل المحدود مما يؤدى إلى تصاعد حالات العنف، والعنف والبلطجة فى الشارع يعكسان أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة حيث تؤدى البطالة والفقر إلى زيادة معدلات الجريمة، والفجوة الكبيرة بين طبقات المجتمع تؤدى إلى الشعور بالإقصاء وعدم المساواة وهو ما يولد توترات اجتماعية تتجلى أحياناً فى العنف الفردى أو الجماعى.

ومن أهم طرق الوقاية من العنف والبلطجة دعم الأسر وتوعيتها بأساليب تربية إيجابية بدون عنف، وحملات إعلامية وطنية ترفض العنف وتروج لقيم الحوار والتسامح، وبرامج مدرسية لمواجهة البلطجة، وتفعيل القوانين وملاحقة مرتكبى العنف بجدية.

غياب الرقابة على الأعمال الفنية

فى سياق متصل يضيف الكاتب الموسوعى والمؤرخ والناقد السينمائى  محمود قاسم، أن انتشار العنف والبلطجة يعود إلى أسباب متعددة بعضها اجتماعى وبعضها اقتصادى وبعضها الأخر ثقافى، ولعل الأخطر من كل ذلك هو التأثيرالسلبى لوسائل الإعلام وبعض الأعمال الفنية، التى تروج للبلطجة وتقدم البلطجى كبطل شعبى، وتبرر أفعاله تحت مسميات "الجدعنة أو صاحب الحق المسلوب"، وقد كان للمثل محمد رمضان وأمثاله ممن اشتهروا بأدوار البلطجة والعنف فى الدراما والسينما أثر بالغ فى تشكيل وعى الشباب بشكل خاطئ، مما دفع البعض لتقليد هذه الشخصيات واعتبارها نموذجا يحتذى.

يؤكد قاسم أن الفن له دور مهم جداً فى زيادة انتشار كل أعمال العنف والبلطجة وتنوع أشكال الجريمة، وذلك لأنه أصبح ظاهرة يتفاخر بها النجوم الجدد والكتاب الجدد أيضاً ويتنافسون  بهذه الأعمال، وهذا ماوصل إلى قوته فى مسلسلات رمضان الماضى وذلك من استخدام الألفاظ السيئة، كما أن المسلسلات والأفلام التى يتم عرضهافى الفترة الحالية  لها تأثير سلبي كبير على أخلاق الشباب وعلى لغتنا العربية والألفاظ أصبحت صعبة والمشاهدغير مناسبة. 

وأوضح محمود قاسم أن قناة روتانا 2 التى تعرض أفلام القرن العشرين كلها أبطالها  ثابتون ولسانهم واحد، ولكن الأن يتذرعون بأن هذه لغة الناس وتصرفاتهم، وأصبح الفن يعكس الأخلاق السيئة على المجتمع بدون وجود رقابة وأصبحت لغة الشارع هى لغة الميكروفون خاصة فى التليفزيون، ومن أشهرمن يقدمون أعمال البلطجة والعنف محمد رمضان وأحمد السقا، موضحاً أن  السعودية لها دور أساسى فى إنتاج تلك الأفلام والمسلسلات، والمنتج يريد ذلك لأنه يزيد من الإقبال، أما وزارة الثقافة فليس لها دور، مع أن الرقابة لابد أن تمنع كل الأعمال التى تتعارض مع الأخلاق الحميدة ولكنها لا تؤدى دورها بل تترك المجتمع يواجه تلك الأعمال دون تدخلها، كما أن وسائل الإعلام ساهمت فى انتشار العنف والبلطجة عن طريق التركيز على مشاهد العنف والإثارة وهذا يشجع المحاكاة من بعض الشباب فى المجتمع.

ولذلك أصبح من الضرورى والملح أن تتحرك الدولة بكل مؤسساتها لوضع تشريعات جديدة وصارمة تجرم أفعال العنف والبلطجة وتغلظ العقوبات على مرتكبيها خصوصا فى الأماكن العامة ودور العبادة، ولا يجب أن تمر مثل هذه الجرائم مرور الكرام ويجب أن يشعر كل مواطن بالأمان داخل بيته وفى شارعه ومسجده ومدرسته.

التفكك الأسرى يزيد معدلات الجريمة

تؤكد الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن العنف والبلطجة لهما أسباب اجتماعية مثل الإحباط الناتج عن الفقر أوالبطالة أوالفشل فى تحقيق الطموحات، وأن ضعف المؤسسات الاجتماعية وغياب الرقابة الأسرية وافتقار الأطفال إلى المتابعة والتوجيه يزيد من احتمالية انحرافهم.

وتشدد على أن الفقر والبطالة يساهمان فى الشعور بالإحباط والعجز، ويزيد لجوء بعض الأفراد إلى العنف والبلطجة كوسيلة للسيطرة أوالكسب السريع، كذلك ضعف المؤسسات التربوية وتقصير المدارس فى غرس القيم الأخلاقية قد يؤدى إلى وجود جيل غير مدرك لخطورة العنف، كما أن عرض مشاهد العنف والبلطجة فى الأعمال الدرامية والأفلام قد يُطبع هذه السلوكيات فى أذهان الشباب، ويؤدي التراخى فى تطبيع العقوبات لتشجيع الجناة على تكرار أفعالهم دون خوف العواقب، وبعض القوانين لا تجرم سلوكيات معينة مرتبطة بالبلطجة بشكل مباشر مثل (فرض الإتاوات أو التهديدات غير المباشرة)، أيضا تفكك النسيج الاجتماعى حيث تسود مشاعر الخوف والكراهية بين أفراد المجتمع، والعنف يولد عنفاً مضاداً مايؤدى إلى دائرة لا تنتهى من الانفلات الأمنى، وغالباً يظهر العنف فى المجتمعات التى تعانى من تباينات اقتصادية واجتماعية كبيرة وهو سلوك مكتسب يتعلمه الفرد من الأسرة والمدرسة أو الإعلام عندما يرى أن العنف وسيلة فعالة لحل المشكلات. 

ومن الأثار المترتبة على المجتمع جراء العنف انعدام الشعور بالأمان وعزوف المواطنين عن الخروج أو ممارسة حياتهم الطبيعية والإضرار بالاقتصاد وتراجع الاستثمارات والسياحة بسبب تفشى الجريمة، والحل لمواجهة هذه الظاهرة هو انتشار الشرطة وتعاون المواطنين مع الأمن وتوفير الدولة لمقومات الحياة الكريمة مثل الحد الأدنى للأجور والمأوى المناسب ومعاملة رجل الشرطة باحترام لكى يكون قادراً على القيام بواجبه.

البطالة والفقر والضغط النفسى

يرى الدكتور رجب عبد اللطيف استشاري تنمية بشرية وإرشاد أسرى وتربوى، أن البلطجة تُعد من الظواهر السلبية التي تنخر في جسد المجتمعات، وتؤدي إلى انهيار القيم، ومن أجل القضاء عليها، يجب فهم الأسباب بعمق، والعمل على حلول فعّالة وشاملة، ومن أهم أسباب انتشار البلطجة ضعف التربية الأسرية وغياب الرقابة ما يُولّد شعورًا بالإهمال لدى الأبناء، ويدفعهم لسلوك عدواني بحثًا عن إثبات الذات وأيضاً الفقر والبطالة فالظروف الاقتصادية الصعبة تدفع بعض الشباب للبحث عن النفوذ أو المال بطرق غير مشروعة، ما يعزز سلوك البلطجة، وضعف الوعي والتعليم يؤدي إلى تطبيع العنف، خصوصًا في غياب برامج تربوية فعالة، بالإضافة إلى تأثير الإعلام السلبي من المسلسلات والأفلام والألعاب التي تمجد القوة والعنف وتزرع في عقول الشباب صورة مشوهة عن "القوة"، وتشجع على تقليد البلطجية.

ومن أهم طرق علاج البلطجة هو تعزيز دور الأسرة ، حيث يمكن لها أن تكون الدرع الأول ضد سلوكيات العنف، وتحسين الظروف الاقتصادية بخلق فرص عمل، وتوفير بيئة معيشية كريمة ، ومن الحلول المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التى تنذر بكارثة مجتمعية وأخلاقية وتشديد العقوبات على مرتكبى العنف والبلطجة لضمان الردع، وتطبيق القانون بحزم وذلك بفرض العقوبات الصارمة، وتفعيل دور الشرطة المجتمعية يبعث برسالة واضحة أن الأمن فوق كل اعتبار، مشيراً إلى إن القضاء على ظاهرة البلطجة لا يكون بالعلاج المؤقت، بل يحتاج إلى خطة طويلة المدى تشمل الأسرة، والتعليم، والإعلام، والدولة، فالبيئة السليمة تخلق أفرادًا أسوياء، قادرين على بناء مجتمع يسوده الأمان والسلام.

غياب الوازع الدينى

فى سياق متصل ترى الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف، أن تصاعد العنف والبلطجة هو نتاج غياب الوازع الدينى وابتعاد الناس عن الأخلاق وانعدام القيم والتدين الشكلى الذى يظهر فى السلوك فقط والمجتمع الذى يتساهل فى مواجهة هذه السلوكيات سيدفع الثمن من استقراره وسلامه الاجتماعى، وتؤكد أن البلطجى ليس شجاعاً بل ظالم وجبان والشريعة لا تبرر العنف خارج إطار القانون والدفاع المشروع وأن الإسلام يرفض بشدة التعدى على الأخرين سواء كان بدنياً أو نفسياً أوترويع الناس أوفرض السيطرة بالقوة وإلحاق الأذى بالمجتمع ونشر الفوضى والترويج للعنف كقيمة مقبولة، مطالبة بأن يكون هناك تعاون بين الدولة ورجال الدين والإعلام فى إعادة بناء المنظومة القيمية وأن مانراه من مشاهد البلطجة أوالتعدى اللفظى والجسدى فى الشوارع هو تعد صارخ على مقاصد الشريعة التى تحفظ النفس والعرض والمال مشيراً إلى قول النبى "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " حتى ولو على سبيل المزاح.

وقالت آمنه نصير أن تكرار مثل هذه الظواهر يعكس انهياراً فى القيم الدينية والأخلاقية، فالبلطجة والعنف صورة من صور الفساد فى الأرض التى حذر منها القرأن الكريم، فالإسلام دين الرحمة والعدل وقد شدد على تحريم الأذى والاعتداء على الأخرين سواء بالقول أو بالفعل، والبلطجى الذى يرهب الناس أو يعتدى على ممتلكاتهم هو من المفسدين فى الأرض الذين توعدهم الله بالعقاب الشديد 

وأشارت إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وهذا الحديث يقطع الطريق على مبررات العنف أو القوة غير المشروعة.

ومن الحلول الدينية المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة تكثيف الخطاب الدينى فى المساجد والإعلام حول حرمة العنف وتدريس مبادئ احترام الأخر واللاعنف فى مناهج التربية الدينية وفتح حوار مع الشباب حول القيم الدينية الحقيقية وتقديم قدوات دينية إيجابية فى الأعمال الفنية والإعلامية وضرورة التصدى لها عبر المنابر والمساجد والتعليم والإعلام إلى جانب التشريع والقانون، وإعادة بناء منظومة القيم والأخلاق ونشر الوعى الدينى الحقيقى وعودة المراكز البحثية لدراسة الظواهر السلبية مع احترام قيمة الإنسان وتفعيل القانون بسرعة وعدل، وإجراء إصلاحات اجتماعية كبيرة تعيد للمجتمع ملامحه الأساسية وتواجه الظواهر السلبية بقوة وحسم مع ضرورة احترام قيمة الإنسان.

التكاتف المجتمعى

ويضيف الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، أن العنف والبلطجة تعد أحداثا فردية وليست بظاهرة، لأن الله وصف هذا الشعب قال تعالى: (ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين) لم يقتل على أرضه نبى ولم يعن عليه والٍ، وأل البيت استوطنوه والعلماء.

ومن أسباب انتشار العنف والبلطجة ضعف الوازع الدينى وسوء التربية والتفكك الأسرى والفقر والبطالة وانتشار المخدرات وغياب القدوة الحسنة فى المجتمع والسوشيال ميديا لها دور فى الترويج لمثل هذه الأحداث، ومن أسباب تزايد أعمال العنف والبلطجة، غياب الدوريات الأمنية فى الشارع وفى القرى وهذه كلها عوامل مترابطة كانت من أهم الأسباب التى شجعت الناس على انتشار كل أشكال البلطجة والعنف باختلاف مسمياتها.

تحركات برلمانية

وتقدم عدد من النواب بطلبات إحاطة عاجلة إلى الحكومة عقب إحدى الجرائم البشعة مطالبين بتشديد الرقابة الأمنية وتغليظ العقوبات على مرتكبى جرائم العنف والبلطجة وتفعيل دورالإعلام فى مواجهة هذه الظاهرة السلبية.

وأعربت النائبة مى رشدى عضو مجلس النواب، عن استيائها من بعض مشاهد الدراما الرمضانية التى اعتبرتها غير مناسبة وتؤثرعلى القيم المجتمعية، وأبدت اعتراضها على مضمون بعض المسلسلات التى عرضت خلال شهر رمضان، حيث تحتوى على مشاهد عنف مفرطة وألفاظ خارجة وسلوكيات لا تعكس القيم والتقاليد المصرية، وطالبت بحظر مشاهد العنف والتدخين والعُرى فى الأعمال الدرامية الرمضانية، لأنها تؤثر سلباً على الأطفال والشباب وتسهم فى تطبيع العنف والانحراف السلوكى داخل المجتمع، وتنشر ثقافة العنف والبلطجة بين الشباب والمراهقين.

وطالبت النائبة برقابة أكثر صرامة على المحتوى المعروض والحرص على أن تقدم محتوى هادفاً يرتقى بالذوق العام ويعزز من القيم الإيجابية، وضرورة وتوفير دعم قانونى ونفسى فعال للضحايا مع إنشاء منصات أمنة للإبلاغ، وإعادة تقييم أليات مواجهة الجريمة والعنف المجتمعى.

وعن الحلول المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة تؤكد ضرورة زيادة الاستثمار فى تعليم الشباب وتدريبهم مهنيا لمساعدتهم على الدخول فى سوق العمل بطرق مشروعة وأن تركز السياسات الحكومية على توفير فرص عمل مستدامة وتحسين مستوى معيشة الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتخفيف أثار الأزمات الاقتصادية وتحسين الخدمات العامة لتحسين جودة الحياة 

حلول مقترحة

ويرى معظم الخبراء أن ظاهرة العنف والبلطجة ليست مجرد قضايا أمنية أو اجتماعية فقط ، بل هى انعكاس لواقع اقتصادى معقد يتطلب تدخلاً شاملا، ويشدد الخبراء على أن غياب نظام توزيع عادل للثروات يزيد من حالة الاحتقان الجماعى ويعزز ظواهر العنف كنوع من الاحتجاج ومن المقترحات الاقتصادية توفير فرص عمل للشباب عبر برامج تدريب وتأهيل مهنى وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعى لدعم الفئات الأشد ضعفاً والاستثمار فى التعليم والصحة والبنية التحتية لتحسين جودة الحياة وتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة كسبيل لتمكين الشباب اقتصادياً.
-----------------------------
تحقيق: حنان موسى
من المشهد الأسبوعية