اعتقد أن الزمان لن يجود علينا بفنان على قدر زياد رحباني، المؤلف والملحن والمبدع، الذي غيب الموت جسده عن عالمنا اليوم. وزياد الذي توفي عن عمر 69 عاماً، هو الابن الوحيد المشهور لفيروز، أسطورة الغناء العربي التي لن تتكرر، والملحن الكبير عاصي الرحباني، إلا أنه اختار نهجا مختلفاً عن والده في التلحين، وعن والدته في الأغنية، وجدد في التراث الموسيقي العربي ألحاناً وغناء.
رحل صاحب أغنية "أنا مش كافر" أشهر ما غنى زياد التي ينتقد فيها الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كثير من البلدان العربية، وفي مقدمتها، لبنان وطنه الصغير والحبيب إلى قلبه وقلب أسرته، لينتقل بالغناء والطرب العربي إلى مرحلة جديدة عنوانها النقد السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري الساخر والمرح أحياناً، ويوصف فنه بأنه حالة من التمرد الدائم. وانتقد من خلال أغانيه وألحانه ومسرحياته الغنائية السياسية التي ولجها مبكرا وهو في العشرين من عمره الطائفية والفساد والأوضاع السياسية والاجتماعية في لبنان التي تتشابه مع الأوضاع في كثير من البلدان العربية، وكأن قدر الشعوب العربية واحد ومصيرها وإن تبدل وجه من يضطهدونها. وككثير من المثقفين العرب أصحاب المبادئ والثابتين في مواقفهم، فضّل زياد "العزلة على التماهي مع ما لا يشبهه" من بشر وأعمال.
كتب موقع "نبض الفن" أن زياد الذي لطالما "حمل ثقل الحروف والأنغام والوجع اللبناني بأغنياته، قرر أن يستريح، بعد سنوات طويلة من العطاء، والحسرة، والتمرد الإبداعي"، وأيضا بعد سنوات عانى خلالها من المرض، واختار الرحيل والانسحاب من معركته مع المرض، وربما الانسحاب من عالم يزداد بؤسا وشقاء بسبب السياسات الجائرة وحصار المقاومة في كل مكان وموقع..
علاقة فيروز بزياد على المستوى الأسري وعلى مستوى الفن والغناء علاقة فريدة تقوم على الحب والتقدير واحترام الاختيارات، ولم تخل من صور للتعاون على المستوى الفني، فلحن لها أغنية "سألوني الناس" في عام 1973، وكان عمره 17 عاماً، ومن الأغنيات التي لحنها لفيروز "رح نبقى سوى"، و"يا عصفور البرد"، و"سفينتي بانتظاري"، و"على طول أنا وياك"، و"الحالة تعبانة". وقدم زيادة توزيعا جديدا لعدد من أغاني والدته فيروز، فقدمها للجمهور بمسحة مواكبة للتوجهات الجديدة في الموسيقى العالمية.
قلوبنا جميعا تتألم ومع الفنانة الكبيرة فيروز ولا نملك إلا أن نتوجه بالدعاء بأن يستريح زياد بعد معاناته والسلام والسكينة لروحه الجميلة.. رحل زياد جسدا لكنه سيبقى ولأجيال صوتا ولحنا وفكراً .
-----------------------------
بقلم: أشرف راضي