أنا لا أكتب هذه الكلمات بحثًا عن ظهور ولا انتظارًا لمجاملة من أحد، ولا أطرق أبواب أحد طلبًا لاعتراف أو تصفيق، وأنا أكتب لأنني شاهد على ما يجري في هذا البلد، ولأنني أحمل أمانة ثقيلة من الطبقة التي لا يذكرها أحد إلا في الخطب أو على ورق الدعاية، وأكتب لأنني عامل وفلاح قبل أن أكون قياديا، وأعرف جيدًا شكل الجوع وملمس الإهانة ورائحة الظلم.
الواقع السياسي في مصر وصل إلى مرحلة من الزيف لا يمكن السكوت عنها، والبرلمان الحالي بكلا غرفتيه النواب والشيوخ لم يعد يعبّر عن الشعب لا من قريب ولا من بعيد، بل صار أداة في يد السلطة التنفيذية، ويغلف قراراتها بقشرة من الشرعية، ويسوّق للقوانين التي تصدر على مقاس الكبار وتطبق على رقاب الفقراء.
برلمان لا يُشرّع للناس بل يُشرّع ضدهم، وما يُطلق عليه مجلس النواب أصبح ساحة للموافقة لا للمحاسبة، وساحة للتصفيق لا للنقاش، ولا قوانين تُعرض وترفض، ولا مشروعات تُفند بعيون الناس.
بل كل ما يأتي يُمرر، وكل من يعارض يُسكت، بل إننا صرنا نرى بعض النواب يفتخرون بعدم رفع أصواتهم أو طرح الأسئلة، وكأن السكوت شطارة، وكأن الولاء للحكومة أهم من الولاء للناس.
أما مجلس الشيوخ فلا داعي للتجميل، مجلس شكلي بامتياز، لا يملك صلاحيات حقيقية ولا صوت له في الشارع، ولا أحد يلتفت لقراراته ولا لرأيه، وكأن وجوده مجرد توازنات سياسية أو مكافأة نهاية خدمة لبعض الوجوه.
لا أحد يمثل الفلاح ولا العامل، فالطبقة العاملة والفلاحون في مصر صارت بلا صوت بلا منبر حقيقي، وبلا حماية سياسية أو تشريعية، وأكثر من خمسة عشر مليون عامل غير منتظم لا تأمين لهم ولا قانون، وملايين الفلاحين الذين تحولت أراضيهم إلى عبء بعد ارتفاع أسعار السماد والبذور والمياه، وتشريد جماعي للعاملين في مصانع القطاع العام.
إغلاق آلاف الورش والمصانع الصغيرة بسبب قوانين الاستثمار والبنوك والجباية الضريبية، كل ذلك يتم ولا نسمع صوت نائب واحد يصرخ أو يحتج أو ينسحب من الجلسات، والصمت أصبح القاعدة، والتمثيل صار وظيفة بلا مضمون.
قانون العمل الجديد، قانون التصالح، قوانين الضرائب، كل شيء ضد المواطن، كل القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة صيغت بلغة السلطة لا بلغة الناس.
قانون العمل الجديد تم تفصيله على مقاس رجال الأعمال وأُقر رغم اعتراضات العمال والنقابيين لم ينص على حد أدنى حقيقي للأجور ولا على ضمانات واضحة للتأمين
ولا على قواعد لفصل العامل أو حفظ كرامته.
قانون التصالح على مخالفات البناء ضرب الفلاح في قلبه وحول منزله من مأوى إلى عبء مالي وقطّع أوصال الريف المصري بدعوى التنظيم والتطوير، أما الضرائب فهي تُفرض على البسطاء، وتُخصم من رواتب العمال والفنيين، في حين يُعفى الكبار والمحتكرون والمضاربون على قوت الشعب من الحساب، وتم إغلاق المجال العام بالكامل، والنقابات تم تجريدها من قوتها، والجمعيات الأهلية تم ربطها برقابة خانقة.
الإعلام أصبح بوقًا رسميًا لا ينقل الحقيقة بل يُلمّع الكذب، وكل صوت حر يتم محاصرته
كل فكرة وطنية يتم تصنيفها خطرًا، وكل من يتحدث عن حقوق العمال والفلاحين يُعامل كمتآمر أو عدو.
لهذا قررنا تأسيس المجلس القومي للعمال والفلاحين باعتباره خطوة في اتجاه استعادة الصوت، وقررنا أن نتحرك، وأن نؤسس كيانًا حقيقيًا يحمل مطالب العمال والفلاحين، ويدافع عن حقوقهم، ويقول الكلمة التي لم يعد أحد يجرؤ على قولها.
المجلس القومي للعمال والفلاحين هو محاولة لاستعادة الحق لا نتبع حزبًا، ولا نعمل لحساب سلطة، ولا نسعى لمنصب.
نحن نعرف جيدًا أن الطريق صعب، وأن الصوت الحر في هذا البلد يُخنق، وأن الصمت جريمة، وأن الخوف لا يصنع كرامة.
هذه رسالتي بلا خوف، لن أسكت على بيع المصانع وتشريد العمال، ولن أصمت أمام الإهانة التي يعيشها الفلاح كل يوم، ولن أصفق لمجالس شكلية وقرارات فوقية ونواب لا يجرؤون حتى على الهمس.
أنا لا أكتب لإرضاء أحد، ولا أنتظر من أحد تصريحًا أو ترخيصًا، أنا أكتب بلسان الناس، وأوقع باسمي أمام الجميع
-----------------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس