الحالة السورية القائمة الآن لم تنتج عن أسباب داخلية سورية فقط. بل عن أوضاع وصراعات وأطماع قوى دولية واقليمية.
دوليا:
- أوروبا وأمريكا في حاجة إلى تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، في إطار ما يعرف ب"الحرب الباردة الجديدة" القائمة الآن. ولذا لابد من ضرب الوجود الروسي في سوريا عن طريق دعم الحركات الإرهابية المناوئة لنظام بشار الذي يتيح لروسيا هذه الوضعية، وتمكين هذه القوى من السلطة في النهاية.
- رغبة أوروبا في تقليص اعتمادها على الغاز الروسي (بعد العقوبات الاقتصادية على روسيا بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا) عن طريق الاستعاضة عنه بغاز أذربيجان، (وهي لمن لا يعرف على علاقة قوية بكل من تركيا واسرائيل معا) وذلك بمد أنبوب عبر ما يسمى ممر زنجزور الى سوريا، ومن ثم تركيا. وهذا التوجه يتلاقى مع الحاجة الى تقليص النفوذ الروسي بالمنطقة بشكل عام.
- توجه الغرب وعلى رأسه أمريكا في ضرب النفوذ الايراني في سوريا، نظرا لتهديد ذلك النفوذ لأمن اسرائيل، من ناحية، ورغبة في اضعاف ايران بشكل عام، نظرا الى أنها عضو مهم في الحلف المناوئ للغرب الذي يتكون من روسيا والصين وكوريا الشمالية، من ناحية أخرى. ولم يكن لذلك الاضعاف أن يتم سوى بتفجير الأوضاع داخل سوريا.
ومن هنا كان من الضروري القضاء على النظام السياسي الذي يتيح لكل من روسيا وايران هذه الوضعية المتميزة، بل القضاء على وحدة سوريا ذاتها، نظرا لأن قوة الدولة السورية وتماسكها يجهض كل تلك الأهداف الغربية.
إقليميا:
هنا يصبح الوضع أكثر تعقيدا. حيث تتلاقى المشروعات الخاصة بكل من إسرائيل وتركيا والخليج. وسوف أتناولها واحدا وراء الآخر:
- إسرائيل: ترى أن النظام السوري البعثي يمثل تهديدا قويا لحلم إسرائيل في التمدد والتوسع، ليس فقط لكونه نظاما ممانعا وضد التطبيع والسلام مع إسرائيل، ولكنه أيضا لأنه يمثل القوة الداعمة وربما الراعية لكثير من القوى المقاومة للوجود الصهيوني بحد ذاته. وعلى رأس هذه القوى قوى المقاومة الفلسطينية، التي وجدت في سوريا حاضنة وقوة دعم رئيسية بتوفير الملاذات والقواعد والمعسكرات والدعم بالمال والسلاح. فضلا عن أنها تمثل الممر الرئيسي للدعم الايراني المقدم لحزب الله في الجنوب اللبناني والموجه ضد اسرائيل.
- تركيا: وهي ترى أن وجود دولة سورية قوية ومتماسكة يعوق أحلام إعادة النفوذ العثماني الذي انتهى مع الحرب العالمية الأولى، بينما ترى تركيا المعاصرة أنها قد ظلمت (بضم الظاء) في اتفاقية لوزان، وبالتالي فانها بصدد ما يعرف بالعثمانية الجديدة التي تتمكن من خلالها من استعادة نفوذها القديم في الشرق الأوسط، خاصة بعد الرفض المهين لطلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فضلا عن ما تم ذكره من أن الاجهاز على النظام السوري السابق سوف يتيح تحويل تركيا إلى مركز للطاقة المتجهة الى أوروبا سواء عن طريق أذربيجان (عبر ممر زنجزور الى سوريا ومنها الى تركيا) أو القادم من قطر عبر سوريا الى تركيا (وسوف يأتي ذكره حالا).
- الخليج: وهو يعد من أكثر القوى التي لها مصلحة كبرى في الإجهاز على نظام بشار، وذلك للأسباب التالية:
أولا: محاصرة التمدد الإيراني الذي يهدد مشاريع الزعامة على كل من العالم الاسلامي والعربي الذي تطمح اليه السعودية وبخاصة في عهد الأمير محمد بن سلمان. فضلا عن الخطر الذي تمثله القوة العسكرية الايراني بحد ذاتها على استقرار الأوضاع في المملكة السعودية. وبالأخص، مع وجود أقلية شيعية في الشرق السعودي (الملئ بالنفط) قد ترى في ايران مرجعية دينية قوة عسكرية حامية لها.
ثانيا: رغبة قطر في مد الأنبوب المشار اليه آنفا عبر سوريا الى تركيا، بينما كان النظام السوري السابق يقف حجر عثرة في سبيل ذلك لصالح احتكار الروس للغاز المتجه نحو أوروبا.
ثالثا: الإمارات التي كان موقفها يتراوح بين خدمة ما يسمى بالاتفاق الابراهيمي وتحقيق طموحها في تمدد نفوذها الاقليمي بصفة عامة عبر القضاء على النظام السوري، وبين خوفها من استيلاء الاخوان والقوى الدينية المتشددة على الحكم في سوريا. ولكن تم حسم ذلك لصالح موقفها مع الإجهاز على النظام.
من هنا فقد اجتمعت كل الإرادات الدولية النافذة والإقليمية الطامحة للقضاء على نظام بشار الأسد. ولكن السؤال الذي يبرز الآن يتمثل في ما يلي: هل ستبقى هذه القوى على تناغمها الذي أبدوه في هذا الإنجاز، أم أن التناقضات والصراعات تدب بين مشاريعها التي يطمحون الى تحقيقها؟؟
--------------------------------
بقلم: د. صلاح السروي